.
1.3. الخلية
بغض النظر عن تعقيد الكائنات الحية، تتشابه جميع العمليات الحيوية تقريبا على المستوى الجزيئي. تبدأ الحياة من خلية تجري في داخلها جميع العمليات والتفاعلات الكيميائية. ويكمن "دماغ" الخلية في النواة التي تحتوي على المادة الوراثية (انظر جزيئات DNA كما هي موضحة في الرسم 5). وجزيء DNA، الذي يُعتبر معلمة القرن العشرين، هو الذي يتحكم في جميع التفاعلات الكيميائية المعقدة في الخلية.
1.1.3. جزيئاتDNA :
يعود الفضل في اكتشاف بنية DNA سنة 1953 لعالمين من جامعة كامبردج,جيمس واتسون و فرانسيس كريك.ويعد هذا الجزيء "خطة بناء" جميع الكائنات الحية و الحفاظ عليها. ومنح العالمان جائزة نوبل للفيزيولوجيا و الطب سنة 1962 مكافأة عن هذا الاكتشاف
ولتبسيط الفهم، يتألف جزيء DNA كما هو موضح في الصورة 6 من
1. الريبوزٌ مَنْزوعُ الأُكسيجين
2. فوسفات.
3. أربعة أنواع من القواعد النترجينية ــ مُتَمِّمات الأدينين و الثيمين، ومتممات الغوانين والسيتوزين.
وتشبه بنية DNA سُلّماً حلزونياً ملتوياً يُعرف عادةً باللولب المزدوج، يتكون من عمود فقري من سكر وفوسفاط موجه للخارج، ويتصل بالشق المقابل له عبر الروابط الهيدروجينية الموجودة بين القواعد المتزاوجة مشكلة ما يشبه درجات السلم.
(G-C-T-A : قواعد هيدروجينية، فوسفاط P-)
وتتمثل الوظائف الرئيسية لجزيء DNA فيما يلي :
1. تخزين المعلومات الوراثية ، حيث تتجمع داخل DNA جميع المعلومات اللازمة لإنتاج كائن فريد والحفاظ عليه.
2. الوراثة : تنقل المعلومات المخزنة في DNA إلى مجموع الذرية.
3. التعبير عن الرسالة الجينية : تنسخ المعلومات المخزنة في جزيء DNA تم تترجم إلى بروتينات نوعية حسب حاجيات الخلية.
إن الطريقة التي يتم بها تخزين المعلومة الجينية وتوارثها والتعبير عنها تتشابه في جوهرها في جميع الكائنات الحية. وهذا ما يفسر تماثل الخلق ووحدانية الخالق.تقوم جزيئات DNA
بنوعين من التفاعلات :
1. استنساخ جزيء DNA : و يتم النفاعل حين يقوم الجزيء باستنساخ نفسه أي تكوين نسخة مكررة عنه ، خلال الانقسام الخلوي. ويمكن شرح آلية الاستنساخ هذه بصورة مبسطة كما يلي:
* يبدأ الاستنساخ (المضاعفة) في نقطة معينة من جزيئة الدنا حيث يقوم أنزيم معين بحفز هذا التفاعل، (بوليمراز الدنا) وذلك بالتعلّق بالجزيئة بتلك النقطة .
* تبدأ الروابط بين T-A و C-G بالتقطع .
* تتكون فُقّاعة في مكان القطع ، حيث تُعَرٍّض القواعد للازدواج بثلاثي فسفاط النكليوتيد ، التي تكون أكواماً منشطة لبناء النكليوتيد.
* يتكامل كل جديل الدنا حديث مع الجديل الأصلي , الذي يعمل كمرصاف (Matrice) .
* يشتمل كل جديل مزدوج على جديل مرصاف وجديل مخلوق.
* تتحرك الجديلتان المُصَنَّعتان على المرصافين معا في اتجاه متقابل على طول الجديلات الدنوية الأصلية ، وعندما تلتقيان في نقطة تسمى المُنتهى، تنفصل الجديلتان الكاملتان.
* تكون الجديلتان متطابقتين ولكنهما متعاكستا الاتجاه، حيث تنطلق إحداهما من 5' ¡'3 و الاخرى من'3 ¡'5
وهذه المراحل موضحة في الرسم 7.
:2. تعبير الجين : يتضمن مرحلتين
* النسخ
* الترجمة
وللمرحلتين أهمية حاسمة في تخليق البروتينات.
2.3. تخليق البروتين :
تعمل النواة على الاستجابة لطلب "رسول" الخلية الذي يتلقى الإشارة من الخارج : مثل هرمون حين يرسل إشارة أثناء وصوله إلى سطح الخلية. ويقوم المبعوث بنقل الرسالة إلى النواة لتُنَشِّط جينا مخصوصا لتخليق بروتين مخصوص من خلال عملية تركيب أساسية. ومن البروتينات تتشكل الأنزيمات التي تُحَفِّز التفاعلات الخلوية، وتساهم في تكوين الأجسام المضادة وجميع الخلايا. وما من شيء حي إلا ويحتاج إلى البروتينات.
يبدأ تخليق البروتين انطلاقا من "DNA" . وإجمالا، تنقسم عملية تخليق البروتين إلى مرحلتين :
1.2.3. النسخ : يمثل عملية نقل الشفرة الوراثية وبلمرة وحدات بناء الريبونويدات، لتكوين جزيئات الحمض النووي الريبي أو الرنا اختصاراً ؛ وهو إما رنا مرسال (رنا ــ م) أو رنا نقال (رنا ــ ن) أو رنا ريبوسومي (رنا ــ ر).
تنسخ (تعاد كتابة) المعلومات المحمولة على "DNA" على النحو التالي : تقارن القاعدة C بالقاعدة G, بينما تقترن القاعدة A بالقاعدة U (الحرف الأول من يوراسيل ، القاعدة الخاصة برنا).
2.2.3 الترجمة : يقوم جزيء الرنا-م بحمل الشفرة الوراثية (المعبر عنها بتتابع القواعد وفق ترتيب معين على شريط "DNA" من داخل النواة ونقلها نحو الريبوسومات، وهي "معامل" صغيرة توجد في السيتوبلازم (الهيولى)، وفيها تتم ترجمة الشفرة الوراثية إلى أحماض أمينية. ثم تُضَمُّ الأحماض الأمينية بعضها إلى بعض عبر روابط بيبتيدية لتُكوِّن بروتينا معينا.
ويجري تسلسل هذه الأحداث كما يلي :
* تتألف سلسلة جزيئ "DNA" من جديلتين تصل بينهما روابط هيدروجينية ضعيفة . يبدأ النسخ بانفصال (انفكاك) الجديلتين ليتكون جزئ الرنا المرسال وحيد الجديلة الذي يتجه بعد ذلك السيتوبلازم.
* يُترجَم الرنا المرسال داخل وحدات التصنيع الصغيرة (ريبوسومات) إلى أحماض أمينية. وفي بعض الفيروسات، يوجد إنزيم يسمى إنزيم النسخ العكسي لأنه يعكس هذه العملية، يتكون جزيء دنا وحيد الجديلة انطلاقا من الرنا. ويعتبر اكتشاف هذا الإنزيم إسهاما ضخما في تطور الهندسة الوراثية وتقنيات السَّلْسَلة.
* ترتبط هذه الأحماض الأمينية بعضها ببعض بروابط بيبتيدية لتشكل بروتينا.
ويقدم الرسم 8 أدناه توضيحا مبسطا لهذه العمليات.
3.3. الطفرة
يقصد بالطفرة التغير الذي يطرأ على تتابع أزواج القواعد على جين معين. ويؤثر هذا التغير حتما على البروتين الذي يتم تخليقه بتوجيه من الجين الطافر. وقد تحدث الطفرات تلقائيا (الطفرات التلقائية) أو يُحرَّض حدوثها تجريبيا بمُطَفِّر (مسبب للطفرات). ويمكن أن يكون المطفر عبارة عن عامل كيميائي أو فيزيائي أو أية حالة تسبب تغييرا في مادة "DNA"
ويمكن أن تقع الطفرة على مستويين :
1. على مستوى الصبغيات طفرة صبغية
2. على مستوى الجين طفرة جينية
1.3.3. التشوهات الصبغية :
تصنف التشوهات الصبغية عادة إلى :
1. التشوهات العددية، وهي تشير إلى وجود شذوذ في عدد الصبغيات السوية داخل الخلايا الجسدية، كما هو الحال مثلا في متلازمة داون(Down's syndrome)، الناشئة عن وجود صبغي زائد على الصبغي 21 ، كما هو مبين في الرسم (3) السابق، حيث يصبح الشخص المصاب حاملا لصبغي 21 ثلاثي الصيغة، (أي من ثلاث نسخ)، بدل الصبغي الثنائي الصيغة، كما الحال في الظروف العادية. ويعاني الأشخاص في مثل هذه الظروف من اختلالات عقلية وبدنية. وكمثال آخر عن العلل الناتجة عن الشذوذ العددي في الصبغيات، ما نراه في متلازمة كلينفيلتر(Klinefetter) حيث يحمل الشخص المصاب نسختين من الصبغي X.
إضافة إلى نسخة من الصبغي Y. ويتسم المصابون بهذا التشوه الصبغي بالعقم وطول القامة.وقد ينتج الخلل عن نقصان في عدد الصبغيات كما هو الحال في متلازمة تورنر (Turner).حيث يملك الشخص المصاب صبغيا جنسيا واحدا هو الصبغي X،ولا يملك الصبغي Yمما ينتج عنه طاقم صبغي من 45 صبغي فقط ، بدل 46، كما في الحالة السوية
وقد تكون المرأة المصابة بهذا التشوه عقيمة وقصيرة القامة.
2. التشوهات البنيوية : وذلك عندما تحتوي الخلايا الجسدية على صبغي واحد أو أكثر مصاب بتشوه ما. وقد تنشأ هذه التشوهات عن انكسار صبغي يؤدي إلى تلف أو تضاعف (ترفيل) جزء من الصبغي. ويكون الانكسار الصبغي عادة عشوائيا. ويظهر أن هناك بعض الترابط بين التشوهات الصبغية البنيوية وبين تقدم الأب أو الأم في العمر (Weartheral, 1985).
وتصيب الأمراض الوراثية والتشوهات الخلْقية تقريبا 2 إلى 5% من المواليد الأحياء، وهي مسؤولة عن 30% من حالات الدخول إلى مستشفيات الأطفال، كما أنها تعتبر من أهم أسباب وفيات الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر(Weartheral, 1985). ومن العسير تقدير حجم المأساة الإنسانية التي تسببها هذه الاختلالات.
2.3.3. الطفرة الجينية :
لفهم ظاهرة الطفور الجيني قد يكون من المفيد ان نشير الى عملية اقتران القواعد: تحتوي جزيئات "DNA" كما أسلفنا على اربع قواعد, حيث يقترن الأدينين (A) في إحدى الجديلتين بالثايمين (T) على الجديلة الأخرى المقابلة بواسطة رابطَيْن هيدروجينيين؛ في حين يقترن الغوانين (G) بالسيتوزين (C) بواسطة ثلاثة روابط هيدروجينية. وهذا الاقتران (المزاوجة) بين القواعد هو الذي يربط بين جديلتي شريط "DNA".
1.2.33. مفهوم الطفرة الجينية :
إن وظائف الخلية هي نتيجة لما يُصَنَّع فيها من بروتينات. وتختلف البروتينات باختلاف الحاجات الداعية إلى تخليقها. ولكل من هذه البروتينات متتالية معينة من الأحماض الأمينية. ولذلك فإن أي طفرة تحدث في الجين تؤثر في تعبير الجينات الموجِّهة لتصنيع البروتين (الجينات المُشَفِّرة للبروتين protein-coding genes)
ويوضح الرسم البياني في الرسم (9) كيف يؤدي تبدل الجين إلى تبدل النمط الظاهري( Phenotype) نتيجةً لتَغيُّر وظيفة البروتين
وتنقسم حصيلة الطفرة الجينية إلى نوعين :
. الطفرة المضللة (missense) : وذلك حين يسبب في استبدال حمض أميني بآخر كما في الرسم (10)، حيث نلاحظ أن الطفور الانتقالي من AT إلى CG قد أدى إلى تغيير الرامزة (كودون) باستبدال حمض الليزين (Lysin) بحمض الغلوتاميك (Glutamic). وقد ينتج عن تغيير حمض أميني واحد نتائج وخيمة بالنظر إلى وظيفة البروتين، كما هو الحال في فقر الدم المنجلي الناتج عن تغيير حمض أميني واحد، وهو حمض الغلوتاميك الذي يستبدل بالفالين (Valine)(الرسم 11). وقد لا يؤثر أبداً تغيّر من هذا القبيل في سلسلة ما لبروتين أخرى في وظيفة البروتين.
2. الطفرة عديمة المعنى :(nonsense) وهي التي تسبب في توقف عملية تخليق البوليبتيد قبل الأوان كما في الرسم (12). وتؤدي التغييرات الحاصلة في ازدواج قواعد "DNA" إلى تبديل في رامزة (كودون) الرنا المرسال. وبدل أن تُتَرجَم الرامزة
(Codon) إلى حمض أميني ليؤدي إلى تكون بوليبتيد، تُحَوَّل إلى رامزة تنهي السلسلة (رامزة إنهاء) ( مثال: UAG),
مما ينتج عنه توقف مبكر للترجمة.
هناك ثلاثة أنواع للطفرة الجينية :
1. إعادة ترتيب زوج من القواعد أو استبداله بآخر
2. إضافة زوج من القواعد أو أكثر
3. حذف زوج من القواعد أو أكثر (خَبَن).
ويبين الرسم الآتي (شكل 13) بوضوح هذه الطفرات.
بما أننا بصدد نظام "كتابي" فيمكن أن نستعير التشبيه الآتي من موزيس ( Moses)(1995) لنُبَسِّطه للقراء غير المُلِمِّين بالبيوكيميائية
إذا أخذنا "رسالة" بسيطة بالإنجليزية فيمكن كتابتها رمزيا (تشفيرها) في صورة متتالية خطية على النحو التالي :
THECATSATANDATETHERATANDRANOFF
يمكن أن يصبح المعنى أوضح إذا ما طبقنا على المتتالية الخطية للرسالة "إطارا للقراءة" من ثلاثة حروف لكل كلمة، كما في (الرسمA.14 )وحينئذ نحصل على متتالية كاملة يكون لها معنى ويمكن مقارنتها بالبروتين العادي.
وإذا ما أقحم خطأ واحد (الحرف المائل بلون أحمر) في الرسالة كما في الرسم ( B)، وهو ما يشار إليه في علم الوراثة بالطفور، فإن المتتالية بعد تقطيعها إلى كلمات من ثلاثة حروف، تفقد معناها. وهذا يوضح مدى تعقيد ودقة الطريقة التي يعمل بها جزيء "DNA ولما كانت كل خلية في جسم الإنسان تحتوي على 3 مليارات من الحروف الجينية (أزواج القواعد)، فإن أي خطأ فيحرف " واحد قد يؤدي إلى طفور قد يكون قاتلا في بعض الأحيان، وقد تنجم عنه في الغالب أمراض وراثية مختلفة كما رأينا في فقر الدم المنجلي (الرسم 11.)
ويوجد حاليا أزيد من 4000 مرض وراثي ناتج عن تغيرات في جين واحد. ومعظم هذه التغيرات نادرة الحدوث، غير أن كثيرا منها تسبب معاناة قاسية وتقود غالبا إلى الموت المبكر.
ويقدر أن عدد المصابين بالأمراض الوراثية في أنحاء العالم كل سنة يمثل 2% من مجموع المواليد الأحياء (Gravin,1995) ). ويعزى بقاء معظم الطفرات الوراثية في السكان إلى تناقل الجينات من الآباء إلى الأعقاب أو إلى وقوع طفرات جديدة بصورة مطردة. ولا تنحصر العيوب الجينية في التشوهات الوراثية الأسرية، فبعض هذه التشوهات قد تحدث خلال تكون الأمشاج (الخلايا الجنسية) أو في الأطوار المبكرة لنمو الجنين، بل قد تنشأ بسبب التعرض للإشعاع أو غيره من العوامل الكيميائية.
ووصف ستيف جونس (Steve Jones) علم الوراثة في كتابه الرائع "The Language of the Gene" (لغة الجينات)، الحائز على جائزة رون بولانك لسنة 1994، قائلاً : «إن الوراثة هي بمثابة لغة أي قائمة من التعليمات الموروثة التي تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل. ولهذه اللغة مفرداتها ــ وهي الجينات نفسها ــ وقواعدها النحوية، وهي الطريقة التي ترتب بها المعلومة الموروثة ؛ كما أن لها أدبها، وهو هذه الآلاف من المعلومات اللازمة لتكوين إنسان. وترتكز هذه اللغة على جزيئات "DNA"»
وضم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون صوته إلى رئيس الوزراء البريطاني ليشيد بهذا الإنجاز العلمي الفذ خلال مؤتمر صحفي نقل عبر الأقمار الاصطناعية في 6/6/2000. فقد صرح قائلاً : «إننا قد بدأنا اليوم نتعلم اللغة التي فيها خلق الله الحياة ؛ وتعاظم على نحو غير مسبوق شعورنا بالرهبة تجاه الحياة بتعقدها وروعتها، تجاه هذه الهبة الربانية التي هي من عجائب الخلق وأكثرها قداسة» (The Daily Telegraph.7/6/2000)
4.3. لمحة عامة عن الهندسة الوراثية
والهندسة الوراثية هي الأداة التي مكنت من إنجاز مشروع المجين البشري، وأحدثت ثورة في علم الحياة وساهمت إسهاما وافرا في رفاهية الإنسان، وهي تَعِد بتقديم الحلول للكثير من المش الكبرى التي تواجه الناس والبيئة مثل نقص الأغذية والأمراض والتلوث وأزمات الطاقة. وهي تعتمد كثيرا على الأحياء الدقيقة (المجهرية) التي يمكن تغييرها وراثيا لاستخدامها لأغراض الهندسة الوراثية. ونظرا لسرعة وتيرة نمو هذه الكائنات وقدرتها العالية على التقلب فهي تنطوي على إمكانات هائلة بالنسبة للصناعات الجديدة. ومن شأن التحالف بين الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا، كما يستعملها فان هو (Wan Ho 1999 ) أن يتيح في القرن الحادي والعشرين تقدما في سائر مجالات الحياة، يضارع ما حققته الفيزياء والكيمياء في القرن العشرين.
وتثير الهندسة الوراثية/البيوتكنولوجيا، شأنها شأنَ أي تكنولوجيا أخرى، كثيرا من التساؤلات العميقة فيما يتصل بالبيئة والاقتصاد والسياسة والدين. والتساؤلات التي تثار دائما عند الحديث عن هذه التكنولوجيا هي : هل توفر لنا الهندسة الوراثية/البيوتكنولوجيا حقا أدوية رخيصة وفعالة، ومحاصيل سليمة صحيا وبيئة نقية كما تعد بذلك العديد من شركات البيوتكنولوجيا؟ (انظر: Hamilton ),أم هل تطرح تحديات على البيئة وصحة الإنسان ورفاهية الحيوان ؟ (,1996 Reiss and Strauhan)
هل الهندسة الوراثية معجزة أم نذير خطر؟ (Walgate,1990), نعمة أم نقمة ؟ هل هي "سيليكون فالي" أخرى يمكن أن تُدخل جميع الأمم إلى عهد جديد من الرخاء ؟ أم هي وبال وظلام ؟
وتتوقف الإجابة على هذه التساؤلات على كيفية استخدام هذه التكنولوجيا والسيطرة عليها.
ويمكن القول إجمالا إن هناك موقفين، موقف يدافع عن الاختراعات الحديثة باعتبارها تباشير مستقبل أفضل، وتحمل لواءه العديد من شركات البيوتكنولوجيا ؛ وموقف يحذر من مخاطر هذه التكنولوجيا وسوء استعمالها، كما شرحه فان هو (1999) حين قال : >تشكل الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا تحالفا وثيقا غير مسبوق بين العلم السيئ والشركات الكبرى، وهو تحالف سيُؤْذِن بانتهاء الإنسانية كما نعرفها، ونهاية العالم برمته. فالخطر متأصل في الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا، بيد أن عقلية الوراثة الحتمية التي تضلل آراء الممارسين لهذا العلم والجمهور على حد سواء، تستحوذ على وعي الناس وتجعلهم يعملون بصورة عمياء لصياغة العالم على حساب مصلحة الإنسان وغيره من سكان هذا الكوكب<. كما نجد شرحا وافيا لتأثير الهندسة الوراثية في تشكيل حياتنا عند نوسال (1985)Nossal, .
وأظهرت دراسات حديثة أن الناس ينقسمون قسمين متساويين تقريبا فيما يتعلق بالنتائج المرجوة من الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا. فعدد الذين يعتقدون أنها توفر منافع يمثلون الثلثين، ولكن الثلثين أيضا يرون أنها تنطوي على مخاطر (ويرى عدد كبير من الناس أن لها مخاطر ومنافع على حد سواء).
وربما يكون في هذا تفسير وانعكاس في نفس الوقت لنقص المعرفة في هذا الميدان. وهذا ما أكدته دراسة أجراها اتحاد الأغذية والمشروبات في سبتمبر 1996. فعندما سئل الناس عن مدى معرفتهم بالبيوتكنولوجيا الأحيائية، لم يزد عدد الكبار في بريطانيا الذين أعلنوا أن لهم معرفة ما بالموضوع عن الثلث، بينما أجاب الثلثان بأنهم لا يعرفون شيئا على الإطلاق عن هذه التكنولوجيا أو بأنهم لم يسمعوا بها قط. وهذا ما يتضح من الرسم البياني الآتي (الرسم 15) :
مصدر المعلومات : Donnellan,1996
الرسم (15) : المعرفة بالتكنولوجيا الأحيائية
مصطلح الهندسة الوراثية مصطلح فضفاض يشمل طائفة واسعة من التقنيات التي تتدخل في تغيير المادة الوراثية ــ شفرة "DNA" ــ في كائن حي.
تحتوي شفرة الدنا ( DNA-Code) على جميع المعلومات مخزنةً في جزئ كيميائي طويل هو الذي يحدد طبيعة الكائن، سواء أكان أميبا (amuba) أو شجرة صنوبر أو أخطبوطا أو بقرة أو إنسانا.
وتتمثل الأهداف الرئيسية الأولى للهندسة الوراثية في تبديل المادة الوراثية لكائن حي على يد علماء يسعون إلى الحصول على منتج جيد من عملهم. وهذه الجهود ساهمت إلى حد كبير في رفاهية البشر وتحسين حال البيئة خلال العقود الأربعة الأخيرة، ولا سيما عن طريق حمل الميكروبات على تصنيع منتجات لم تكن لتنتجها في الظروف الطبيعية. والمثال الذي أسوقه فيما يلي عن تجربتي مع إنتاج هرمون النمو البشري يدل دلالة واضحة على أهمية هذه التكنولوجيا في رفاهية البشر. فقد كان المصدر التقليدي لإنتاج هذا الهرمون إلى عهد قريب هو الغدة النخامية في الإنسان، ولذلك لم يكن متوفرا على نطاق واسع. وكان يُحتاج إلى 400 دماغ لاستخراج الكمية المطلوبة من هرمون النمو لعلاج طفل لمدة ثمانية أشهر. أضف إلى ذلك احتمال تلويث المنتج بواسطة بريون (Prion) (جزيئات بروتينية تسبب العَدْوَى) ، المقترن بالمرض الدماغي الخطير المسمى داء كروتزفلد جاكوب (الاعتلال الدماغي الإسفنجي) (Ahmed,1997 c) .
ويمكن تلخيص التقنيات الرئيسية لإنتاج هرمون النمو بواسطة الهندسة الوراثية فيما يلي:
1. عزل الجين المفيد لهذا الغرض (مثلا جين تخليق هرمون النمو البشري)؛
2. عزل الميكروب المناسب لإنجاز العمل (مثل العصية الإشريكية القولونية E.Coli ;
3. عزل مادة جينية دائرية (بلاسميد) من الميكروب، تستعمل كحاملة لنقل الجين المطلوب.
4. قطع البلاسميد والجين بواسطة نفس إنزيم التحديد (restriction enzyme) ، الذي يقطع في موقع بعينه (استعمال إنزيم التحديد Hae III في هذا المثال)
5. ربط البلاسميد بالجين لتكوين بلاسميد مؤشب (معاد التأليف).
6. إعادة إدخال البلاسميد المؤشب إلى الميكروب بواسطة عملية تسمى التحويل.
7. بعد التخمر يستخرج المنتج المطلوب كما يوضح المثال التالي حول إنتاج هرمون النمو البشري (الرسم 16).
الرسم (16) : تقنية الهندسة الوراثية لإنتاج هرمون النمو البشري
5.3. تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR)
وهي التقنية التي أحدثت ثورة في البيولوجيا الجزيئية منذ 1986 واعتبرت إنجازا عبقرياً. وقد ساهمت هذه التقنية إسهاما واسعا في مشروع المجين البشري وتشمل أساسا عزل شظية من "DNA" موضوع التجربة واستنساخه ملايين المرات بواسطة تقنية بسيطة جدا ولكنها ذات قوة وفعالية خارقة. وهذه الأداة الصغيرة توجد اليوم في كل مختبر باعتبارها وسيلة أساسية لا غنى عنها لإجراء أي تجربة في مجال الهندسة الوراثية.
وتشمل تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل الخطوات التالية:
1. تختار شظية (شدفة) من "DNA" على طول جزيء "DNA" المراد تضخيمه ،
2. يثبت عنصران من نويدات قصيرات على حافة طرفي شظية " DNA" ليعملا كبادئتين لعملية تخليق "DNA"
3. تضخيم شظية من "DNA" ذات طرف مُشفّه بواسطة إنزيم بوليميراز "DNA" وهو إنزيم يتحمل الحرارة ولا تتبدل خصائصه أو يتشوه تحت تأثير الحرارة المرتفعة. ويستخرج من بكتيريا تعيش في منابع ساخنة (Thermus Aquaticus) . ويعد إنزيم البوليميراز عنصرا ضروريا في التقنية المسماة تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR).
4. تخضع عملية التضخيم للمعالجة الحرارية في ثلاث دورات :
* درجة الحرارة المشوهة (94 درجة مئوية) التي تُشَطِّر سلسلة "DNA " لى جديلتين منفصلتين تعمل كل منهما كقالب لتخليق جديلة أخرى.
* درجة حرارة التشبيك (42 درجة مئوية) : في هذه الدرجة من الحرارة تلتصق البادئات بالجديلة القالب.
* درجة حرارة البَلْمَرة أو التمديد (74 درجة مئوية)، وهي التحقق الفعلي لعملية تخليق "DNA"
ويوضح الرسم (17) هذه الدورات الحرارية وبعد 30 دورة، تتكون ملايين من جزيئات "DNA " أحادية الجديلة :
ففي دورة واحدة، يمكن تخليق عدد من الشظايا يساوي : 456 435 268= 228
ولمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى الموقع الشبكي الآتي :
.