قصة سلمان الفارسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ، (َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * ُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )
اما بعد :
فإن طلب الحق والسؤال عنه والانقياد له نعمة من الله عز وجل، وفضل ودرجة عالية رفيعة، ولهذا أثنى الله على طائفة من أهل الكتاب لما جائهم الحق من ربهم امنوا به وسلموا ودخلو في دين النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال الله جل وعلا : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ) وقال الله جل جلاله : (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ* وإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * َومَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) .
يا شباب الإسلام : إليكم هذه الحادثة العجيبة و التي تبين أهمية طلب الحق والبحث عنه، تأملوها وتفكروا فيها، وأنتم في زمن كثرت فيه الأهواء و الفتن، فنسأل الله جل وعلا أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه .
قال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال :
كنتُ رجلا فارسيا من أهل أصفهان من أهل قرية يقال لها (جَيْ)، وكان أبي ذهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيتي كما تحبس الجارية، وأجتهدت في المجوسية حتى كنت قَطِنَ النار الذي يوقدها لا يتركها تخبوا ساعة، قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال : فشغل في بنيان له يوماً، فقال لي : يا بني إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس؛ لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال : فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ماتركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام، قال : ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال : فلما جئته، قال : أي بني .. أين كنتَ ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال قلت : أي أبتي مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله مازلت عندهم حتى غربت الشمس، قال : أي بني .. ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قال قلت : كلا، والله إنه خير من ديننا، قال: فخافني فجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته، قال : وبعثت إلى النصارى، فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال : فأخبروني بهم، قال فقلت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فالقيتُ الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلتُ : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الاسقف في الكنيسة، قال : فجئته فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك واتعلم منك وأصلي معك، قال : فادخل، فدخلت معه وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنـزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال : وأبغضته بغضاً شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها إكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا : وما علمك بذلك ؟ قال قلت : أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال : فأريتهم موضعه، قال : فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقاً، فلما رأوه قالوا : والله لا ندفنه أبداً، وصلبوه ثم رجموه بالحجارة، ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه .
قال سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة و لا أدأب ليلا ونهارا منه . قال : فاحببته حباً لم أحبه من قبله، وأقمت معه زماناً، ثم حضرته الوفاة، فقلت له : يا فلان، إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني؟ قال : أي بني، والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل، وهو فلان، فهو على ماكنت عليه فالحق به .
قال سلمان : فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له : يا فلان، إن فلان أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي : أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له : يافلان، إن فلان أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي ؟ وتأمرني ؟ قال : أي بني والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجل بنصيبين ديننا وهو فلان فاللحق به، قال سلمان فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي، قال : فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبثت أن نزل به الموت فلما حضر قلت له : يا فلان، إن فلان كان أوصى بي إلي فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ؟ و تأمرني ؟ قال أي بني، والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته فإنه على أمرنا .
قال سلمان : فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري، قال أقم عندي فاقمت مع رجل على هدي أصحابه و أمرهم وأكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة ، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي و ما تأمرني ، قال : أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .
قال سلمان : ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مرَّ بي نفر من بني كلب تجار، فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي ؟ قالوا نعم، فأعطيتهم البقر والغنيمات، وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني على رجل من اليهود عبداً، فمكثت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها، فأقمت بها وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فاقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عتق أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة - يعني الأنصار- والله إنهم الآن لمجتمون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي .
قال سلمان : فلما سمعتها أخذتني العرضاء - يعني الرعدة- حتى ظننت سأسقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه : ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال مالك ولهذا أقبل على عملك، قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال .
قال سلمان : وقد كان عندي شي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال : فقربته إليه، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا وأمسك يده فلم يأكل، قال سلمان : فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم أنصرفت عنه فجمعت شيئاً، وتحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم جئته به فقلت : إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، قال : فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي : هاتان إثنتان، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم أستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرت عرف أني استثبت في شيء، فالقى ردائه عن ظهره صلى الله عليه وسلم فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبِّله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحوَّل فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، قال فاعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه .
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر و أحد، ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كاتب يا سلمان، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية، قال رسول الله : أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمس عشر و الرجل بعشر يعني الرجل بقدر ما عنده حتى إجتمع لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب يا سلمان ففكر لها فإذا فرغت فأتني فاكون أنا أضعها بيدي، ففكرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فاخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوالذي نفسي بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي علي المال، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال ما فعل الفارسي المكاتب، قال : فدُعيت له، فقال : خذ هذه فأدِّي بها ما عليك يا سلمان، فقلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي، قال خذها فإن الله سيؤدي بها عنك، قال : فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم وعتقت، وشهدت مع رسول الله الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد .
قال الشيخ العلامة مقبل الوادعي في كتابه «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» : هذا حديث حسن .
معاشر المؤمنين .. فلقد سمعنا قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه في طلبه للحق وصبره على ذلك وفي هذه القصة فوائد منها :
أولاً : غربة أهل الحق في بعض الأزمان، وهذا لا يضرهم قال رسول الله الله صلى الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ) فعلى الشباب المسلم عليهم أن لا يغتروا بكثرة الأتباع المفتونين، ولا بالجماعات والأحزاب والتي تدعي أنها كبرى الجماعات، فليس من صحة أن يكبر الورم .
ثانيا : من فوائدها فضل سلمان رضي الله عنه في طلبه للحق وصبره على مفارقة الاهل والوطن في سبيل ذلك .
ثالثا : فيها من الفوائد سؤال أهل الحق وأهل السنة عن الرجال الذي يقتدى بهم ويتخذون أئمة كما فعل سلمان رضي الله عنه .
رابعاً : أن الواجب على الشباب عند غربة الدين الرجوع إلى العلماء الربانيين وسؤالهم عما أشكل .
خامساً : قبول الحق وعدم التردد في ذلك كما فعل سلمان رضي الله عنه وليخش من يَرُدَّ الحق بالأهواء ليحذر قول الله جل وعلا : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) .
سادساً : على الشباب أن يتفقهوا في الدين و أن يتفقهوا في منهج السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، وأن لا تغرهم الدعوات الباطلة الفاتنة، وليسألوا عن عقيدة أهل السنة وما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، و ليحذروا طرق أهل الزيغ والفتن والتكفير في زماننا فإنهم فتنوا كثيرا من شبابنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومن الفوائد : أن لا يغتر الانسان بشبهات أهل الباطل وما يزخرفون من القول؛ فإن سلمان رضي الله عنه لم يعبا بقول والده لما زعم أن دينهم - يعني المجوسية- هو خير من دين النصارى، وذلك أن النصارى قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك منهم بما جاء به عيسى عليه السلام فهو الحق، وأما بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم فالواجب على اليهود والنصارى أن يتركوا دينهم إلى دين رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم . (والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار). رواه مسلم
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. يا أهل التوحيد والسنة : إننا في زمن كثرت فيه الفتن و الأهواء وعظم فيه شأن دعاة الفتن والضلالة الذين يلبسون الحق بالباطل ويصدون عن منهج السلف الصالح، فصار بعض من شبابنا في حيرة من أمره لا يدري من يتبع، وأي طريق يسلك، وذلك أن دعاة الباطل والحزبية المقيته زهدوه في دعوته السلفية ورغبوه في الدعوات الضالة الحركية باسم الجهاد، والدعوة إلى توحيد الحاكمية، وعصرية المواجهة، ونصرة الدين وإقامة الخلافة الإسلامية زعموا، فأوهموا أولئك الشباب أن التخريب والتفجير والتكفير والقتل والإرهاب في بلاد الإسلام بل وعند بيت الله الحرام في البلد الحرام أوهموهم أن ذلك من نصرة الدين والجهاد وإنكار المنكر!! فأضلوهم وأوردوهم المهالك وجرؤهم على سفك الدم الحرام في البلد الحرام وإخافة الآمنين وترويع المسلمين في بلد قال الله فيه : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضض شوكه ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ، الله أكبر .. إذا كانت إخافة الصيد في البلد الحرام لا تجوز فكيف بسفك دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان الآمن المحرم.
معاشر الموحدين .. إن هذه الحوادث المتتابعة المروعة والتى فجعنا بها وآلمتنا إنها والله لتدل على أن شبابنا بحاجة إلى محاسبة النفس والنظر في الحال والمئال، والبحث عن طريق السلف الصالح ، ومحاسبة النفس في المناهج الدعوية التى يسيرون عليها، وطلب الحق الذي غُيِّب عنهم وربوا على خلافه، إن شبابنا لا بد له أن يبحث عن الحق وعن طريق الاستقامة الحقيقية؛ كما بحث عن ذلك سلمان رضي الله عنه وأرضاه قال الله جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * َنحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) والمراد بذلك الاستقامة والتمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ) فالاستقامة الحقيقية أن يؤدي الشاب حق ربه عز وجل بإخلاص الدين له، وحق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وطاعته وحق والديه فلا يؤذيهما وحق المسلمين فلا يعتدي عليهم في أموالهم بمتابعته و أعراضهم ودمائهم ، وحق المستأمنين والمعاهدين فلا يغدر ولا يستبيح الدم الحرام ، ويؤدي حق العلماء فلا يقع في أعراضهم ولا يقدم الدعاة وطلاب العلم بل والجهال عليهم ويذب عن أعراضهم لما قاموا به من نصرة الدين وبيان الحق ، ويؤدي حق ولاة الامر بطاعتهم ومحبة إجتماع القلوب عليهم وبغض من يزهد في السمع والطاعة ويريد شق عصا امة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الحقوق وشرائع الدين .
وعُلم مما تقدم : أن نصرة البدع والمذاهب الباطلة والدعوات البدعية الوافدة ليست من الاستقامة في شيء، وأن معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك و أخذ مالك ) إن عصيانه في ذلك ليس من الإستقامة في شيء .
وليس من الاستقامة شيء : عقوق الوالدين وإيذائهما والخروج للجهاد دون إذنهما، فرفقاً معاشر الشباب بالآباء والأمهات، إن كنتم تريدون الخير والجنة فالزموا آبائكم وأمهاتكم وأحسنوا إليهم وفيهم فجاهدوا، الله أكبر .. كم تأثر الناس وبكوا حين قرءوا رسالة أم أحد أولئك الذين فجروا أنفسهم وهي تناديه وتطلب منه أن لا يقدم على هذه الفعلة الشنيعة فعصاها وروعها، فاللهم ألطف بأولائك الآباء والأمهات وأعظم أجورهم.
وليس من الاستقامة في شيء : الاعتداء على المسلمين وقتل رجال الأمن والتفجير وترويع الآمنين في بلاد الإسلام بل هذا من أفعال الخوارج الضلال .
وليس من الاستقامة في شيء : الغدر لمن أعطي الأمان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ) .
وليس من الاستقامة في شيء : الطعن في العلماء ومحاولة إسقاطهم وصرف العامة عنهم إلى جاهل أو مغرض .
وليس من الاستقامة في شيء : إثارة الفتن والطعن في ولاة أمر المسلمين أمام العامة لأن ذلك يورث الحقد والشر والفساد ومن أراد النصيحة فاليلزم السنة في ذلك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ به فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد ادى الذي عليه )
وليس من الاستقامة في شيء : ربط الشباب بقيادات من خارج البلاد وتعظيمهم في نفوس الشباب، بدعوى أنهم قادة شهداء مجددون مجاهدون إلى آخر الالقاب التى يطلقونها على مرشدي ومنظري الدعوات الحزبية الضالة تلبيساً وتغريرا وغشاً لشباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
منقول من موقع الشيخ سلطان العيد حفظه الله