بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً... وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً...
وبعد...
فهذه اعتراضات على النقاب من بعض المسلمات اللاتي اغتررن بدعاوي المنافقين من دعاة الرذيلة الذين يحرصون في أول ما يحرصون على تكشيف نساء الأمة لتشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هؤلاء الذين ينادونها في كل يوم بشعارات رنانة وألقاب طنانة قائلين لها:
قالوا لها: إن الحياة كريهة *** إن لم تكن معمورة بغرام
قالوا لها في خسة وحقارة *** حتى متى تُبلى بلبس خيام
قالوا نريد لأختنا حرية *** وإلى متى ستعيش عصر ظلام
قالوا: من الظلم الذي لا يرتضى *** أن يرتدي الجلباب بدر تمام
خدعت بنات المسلمين بدعوة *** من ثلة مأجورة الأقلام
صاغت لها الأوهام وجه حقيقة *** فسعت بلا وعي إلى الأوهام
وبدت فتاة الحق سلعة فكرة *** لمجلة في فكرها الهدام
أختاه كيف ظننت أن معربداً *** يسعى بمؤمنة لأمر سام
أختاه كم يرجو اللئيم خروجها ***لتكون نهباً للفؤاد الظامي
أختاه لا يرجى دواء ناجع *** من كف من يشكو من الأسقام
قد يدعي معنى العفاف مخادع *** ويصوغ فلسفة الأمان حرامي
وسوف أورد الأسباب التي تصد المسلمة عن لبس النقاب في صورة اعتراض أسوقه على لسان المتبرجة، ثم أقوم أنا بالرد عليها، وهأنذا أقول لكل أخت صدت عن لبس النقاب وعصت ربها وشقت ستور خدرها وخرجت إلى طرق المسلمين كاسية عارية مائلة مميلة فاتنة مفتونة، ففتنت شباب الأمة وانتشرت الريبة بين المسلمين:
أختاه ما لك لا تنتقبين؟
لعلك تقولين محتجة على لبس النقاب:
لا ألبسه لأنه
ليس بواجب على النساء
ومادام أنه ليس واجباً، فلماذا أضيق على نفسي؟!
أقول لك: فما رأيك لو سقت لك الآن الأدلة القاضية بفرضيته ووجوبه أتلبسين؟
وكأني بوازع الإيمان في قلبك يقول: نعم، ومالي لا ألبس إذا قضت الأدلة بوجوبه؟!
فأقول لك: اعلمي حفظك الله أن الأدلة على فرضية الحجاب كثيرة متوافرة، وهي من القرآن والسنة متعاضدة ومتضافرة.
أولها: قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31]
دلت هذه الآية على فرضية الحجاب من وجوه:
الأول: قوله تعالى: { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } لأن الأمر بحفظ الفرح أمر بالحجاب بالاقتضاء واللزوم ، لأن المرأة العفيفة لا تستطيع صيانة عرضها إلا إذا سترت فتنتها عن أنظار الآخرين، لأنها تعلم:
أن الرجال الناظرين إلى النسا *** مثل الكلاب تطوف باللحمان
إذا لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أكلت بلا عوض ولا أثمان
الثاني: قوله تعالى: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ }
بالله عليك يا ابنة الإسلام، كيف يلزمك بستر جيبك وهو فتحة الثوب من عند العنق، ويترك لك الوجه مكشوفاً مع أن الوجه هو مكمن الفتنة ومنبع الجمال، إن هذا لشي عجاب.
الثالث: إذنه تبارك وتعالى لك يا ابنة الإسلام بإبداء الزينة أمام هؤلاء الأشخاص الاثني عشر الوارد ذكرهم في الآية دل بمفهوم على تحريم إبدائها لمن عداهم.
الرابع: قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ }
سألتك بالله يا حفيدة عائشة رضي الله عنها أينهاك عن الضرب بالرجل حتى لا يسمع الرجل صوت الخلخال من وراء الثوب فيتحرك ذلك الصوت في قلب الرجل فيقع المحظور ثم يبيح لك كشف وجهك، إن هذا من التناقض لبمكان فأيهما أشد فتنة الرجل أم الوجه الذي هو مكمن الفتنة ومنبع الجمال أيتها الفاضلة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [النور: 60]
الله أكبر يا أختاه:
إذا كان هذا الحكم الصارم نزل في حق امرأة عجوز لا تشتهى، تجعد وجهها وابيض شعرها وانحنى ظهرها ليبيح لها وضع ثيابها، لكن بشرط أن لا تتبرج بزينة، فإن تبرجت بزينة حرم عليها وضع ثيابها فإذا كان هذا هو الحكم في أمرأة عجوز فكيف يكون الحكم في ابنة العشرين ذات القد الرشيق، والخد الأسيل والشعر الحرير، التي لا تحرك الفتنة في قلوب الشباب فحسب، بل إنها تحرك الفتنة في قلوب الكبار أيضاً إنها أولى بالستر من تلك العجوز الفانية.
الدليل الثالث: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } [الأحزاب: 59]
قال حبر الأمة وترجمان القرآن أبو العباس عبد بن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب"، وتفسير الصحابة حجة بلا شك.
الدليل الرابع: قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب: 53]
قال الجزائري: "هذه الآية تعرف بآية الحجاب إذ هي أول آية نزلت في شأنه وعلى إثرها حجب النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وحجب المؤمنون نساءهم، وهي نص في فرض الحجاب".
لكن قد يدخل مريض قلب عند هذه الآية وينطق الشيطان على لسانه قائلاً: أنزعت الآمانة من قلوب الناس أيها الفضلاء لماذا أسألها من وراء حجاب إذا كانت امرأة جاري كامرأتي وأخت جاري كأختي وبنت جاري كابنتي وأم جاري كأمي!!
وأنا أقول لهذا المنافق: كذبت ورب الكعبة، لأن الله عز وجل أنزل هذه الآية على جيل من الناس لا تساوي أنت شراكاً في نعل واحد منهم.
أنزلها على صديق الأمة أبي بكر، وعلى فاروقها عمر، وعلى الذي كانت تستحي منه الملائكة عثمان، وعلى علي رضي الله عنه، وعلى عائشة وأم سلمة وأسماء، أنزلها على هذا الجيل الفريد التقي الحيي، ومع ذلك قال لهم: { ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } فأي القلبين أطهر؟
أقلبك أنت أيها المنافق أم قلب أبي بكر وعمر؟!
إنها الطهارة يا ابنة الإٍسلام التي يعجز عن تذوقها كل من يريد الزج بك في سوق الرقيق الأبيض المتكالب على الشهوة المجامحة.
الدليل الخامس: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة».
فقالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟
قال: «يرخين شبراً»
فقالت: تنكشف أقدامهن
قال: «فيرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه».
فإذا كان يجب على المرأة ستر قدمها لئلا يراها أجنبي فكيف ببقية جسدها؟
وها هي أختاه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها تستحي أن تظهر رجلها، فما لي رأيتك كشفت رجلك بل وفخذك وشعرك وصدرك، وجسمت ما بقي من جسدك دون حياء أو خجل من الله؟!
الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها: يرحم الله النساء المهاجرات لما أنزل الله: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن فاختمرن بها.
فما تلكأت المرأة المؤمنة ولا تلعثمت ولا قالت: أستحي من لبس الحجاب.. أو الحجاب يسبب لي حساسية.. أو زوجي ، أخي أبي يمنعونني، ليس شيء من ذلك، بل امتثلت.
فهذه أختي أدلة قاضية بوجوب الحجاب وتغطية المرأة وجهها عن أنظار الآخرين، فهل زال هذا الإشكال من عندك واقتنعت بفرضية النقاب؟
كأني بك مازلت بشبهة أخرى واهية هي: