مسجد مسطاسة
- ثمانية قرون من التاريخ -
إلى"عبد السلام" إمام مسجد مسطاسة
* موقع المسجد:
- ما أثار انتباهي أكثر و أثار حيرتي وإعجابي في نفس الوقت في هذه الذرة اليتيمة والتحفة النادرة هو مسألتان:
- أن المسجد مشيد في منطقة الزلازل!
- مسجد وسط مجرى الوادي تماما!
وكلا الأمرين أعجب من الآخر.. فكون المسجد هو في منطقة تحسب على خط الزلازل ولمدة 8 قرون طوال.. لم يصب هذا المسجد بأدنى أدى طوال كل هذه القرون والسنين.. إلى جانب الأمر المحير الآخر هو أنك لما تصعد إلى صومعة هذا المسجد و تلقي بنظرة حول محيط المسجد يأخذك العجب حيث ترى أن هذا المسجد يأخذ موقع الوسط من الوادي بالضبط..
وهنا طرح علي السؤال.. إما أن هذا المسجد بني برغبة من أصحابه وسط الوادي.. وهذا يبقى أمرا مستبعدا فمن غير المعتاد ومن غير الصائب في بناء المساجد في بلاد الإسلام بناءها في مجاري الوديان و السيول و الأنهار..
و إما أن المسجد بني أولا قبل أن يكون هناك مجرى للنهر يمر بمكان بناء المسجد.. ولما بني المسجد صنعت السيول في تلك المنطقة طريقا نحو المسجد و أجبرته أن يكون في طريقها.. أو على الأقل يكون قد بني المسجد بالقرب من مجرى مائي صغير في بداية تشييد المسجد وقد صنعت الفيضانات والأمطار و السيول وأديا أخذت ضفتاه تتسعان و تتخذان مكان أكثر بعدا من السابق على أن احتوى المجريين موقع المسجد..
هذه كلها احتمالات واردة يمكن للبحث العلمي المتعمق أن يعطينا تفسيرات لهذا الأمر المحير...
* الصومعة:
- عبارة عن صومعة يتراوح علوها حوالي 12 مترا،
- باب المئذنة وهي باب صغيرة مرمية بحديقة المسجد..
- السلم إلى الصومعة حجري مبني بالطوب "ماصيصو" والحاشية بالخشب.
- بالنسبة لسقف الصومعة فهي مسقوفة بأعمدة من الخشب. والأعمدة الخشبية المكونة أو الداعمة للسقف بشكل أفقي هي من العرعار (ونتعجب من حالة الخشب الذي قاوم كل هذه المدة.. لكن هذا لا يعني أن السنين لم تبدأ في التأثير عليه وعلى سقف المسجد)
- هناك طويقة صغيرة في كل دور أو طبقة للسلالم المؤدية إلى سطح المئذنة.
- بالنسبة للمدخل إلى المئذنة ، كانت هناك بويبة صغيرة مؤدية إلى المئذنة مباشرة أغلقت.
- هناك بيت صغير وأنت وسط المئذنة ربما كان خلوة أو خاصا بالمؤذن أو.. يستعمله الإمام اليوم للنوم والراحة..
في أعلى المئذنة في السطح، هناك قباب 7 و نعتقد أنه كان هناك ثمانية. 4 قباب في زوايا الصومعة و 4 أخرى في وسط جدران المئذنة الأربعة.. و نعتقد أن القبيبة الناقصة هي مفقودة لعامل من العوامل البشرية أو الطبيعية فقط.. وأن عددها الأصلي ثمانية..
* صحن المسجد:
- التهوية والإضاءة الطبيعية ممتازة لصحن المسجد.. حيث توجد نافذتين صغيرتين في كل رواق على اليمين و اليسار.. تضمن هذه النوافذ الصغيرة في أعلى جدران المسجد إضاءة طبيعة قليلة لكنها كافية للتنقل داخل المسجد..
- على البوابة في السقف حفرتين كانتا المكان الذي يشد الباب إلى السقف حيث يثبت عمودي الخشب حيث تكون دفتي الباب مثبتتين.
- باب المسجد الأصلية مستطيلة طوليا و ليس كما اليوم نصف دائرية في الأعلى؛ أتحدث هنا عن مكانها في الجدران وليس عنها هي فهي لازالت كما هي رغم أنها منزوعة من مكانها..
- توجد بويبة صغيرة أصلية على اليد اليمنى من المحراب.. بـ"بيزاكرات" جميلة عبارة عن حلقتين حديديتين إحداها مدمجة في الأخرى، الأولى مثبتة في الباب والأخرى بخشبة الباب التي بالحائط.
* المنبر و المحراب:
حسب إمام المسجد فالقبلة الأولى وضعت باتجاه القدس والحرمين الشريفين..لذلك تم اليوم إزالة المحراب من مكانه و تغيير القبلة باتجاه القبلة المعروف اليوم..
و داخل المحراب نجد 12 شريط في شكل أخطبوطي نازلة من سقف المنبر إلى الأسفل..
كما هناك 6 دوائر جبصية كلها في الجهة الأخرى المقابلة لنظر العين. و ربما رقم 12 قد يحيل إلى عدد أشهر السنة أو عدد ساعات الليل أو النهار..
كما لاحظت علامات دائرية عادية بارزة و علامتين بارزتين عموديتين موجودة بين الدوائر الثلاث. على واجهة الحائط فوق المنبر مباشرة. وهي رموز لابد أن لواضعيها دلالة معينة.. حيث من الأكيد أنها لم توضع اعتباطا هكذا وفقط..
- سألت الإمام عن مسألة الماء و ضرورة وجوده بالنسبة للمسجد و للمصلين فأراني بالقرب من المسجد خارج صحن المسجد بالقرب من الصومعة تماما،إطارا إسمنتيا مربعا تنبث داخله اليوم شجرة غرستها إحدى نساء أفراد الجمعية الهولندية.. و ذلك كان البئر القديم الذي يوجد قبالة الصومعة مباشرة على بعد بضع خطوات.. عوض اليوم ببئر آخر يبعد عن المسجد ببضع خطوات من جهة الباب الرئيسي للمسجد أي خلف المسجد..
- حسب ما يحكيه بعض أهل القرية أن بنت الجنرال "مزيان" تطاولت على لوحة تاريخية من المنبر و أخذتها معها في زيارة لهذا المسجد بحضور مسئولين من الدولة..الأمر الذي خلف استنكار ساكنة المنطقة..
- المحراب أزيل من مكانه الذي كان على يمين المنبر،
* الأعمدة و الأقواس:
- 5 قباب هو عدد قباب المسجد الثلاثية التي تكون سقف المسجد، و الرقم 5 مرة أخرى له رمزيته المعروفة في الإسلام، فهو عدد أركان الإسلام، وهي الصلوات الخمس..
- في صحن المسجد، تجد الأقواس الفاصلة بين أروقة المسجد بالعرض، عددها 3 أقواس بمعنى عمودين في كل صف ..
- أما عدد الأقواس بالطول أي بين الباب الرئيسي الذي تتركه وراءك وأنت داخل المسجد باتجاه المحراب والمنبر، هي 4، وهي قد تحيل إلى الأشهر الحرم، و الباقيات الصالحات.. والأقواس الوسطى واسعة مقارنة مع الجانبية.
- ما يلاحظ هو أن أعمدة المسجد ليست ضخمة أو عظيمة بل لا يتجاوز حجمها بالعرض المتر الواحد المربع. لكن مقارنة بحجم المسجد الإجمالي فهي مناسبة جدا. وقد حفظت لهذا المسجد بقاءه إلى اليوم رغم بساطة حجمها..مما يؤكد أن بناء هذا المسجد تدخل فيه اعتبارات و تقنيات عبقرية ضمنت له الاستمرار إلى يومنا هذا.. وهذا ما هو مطالب بالبحث فيه العلماء و الباحثون في المعمار و الهندسة..
* سقف المسجد من الداخل و الخارج:
- بالنسبة لسقف المسجد إضافة إلى ما وصفناه من أمر الأعمدة، يوجد عمودين خشبيين أفقيين داعمين بالعرض لتماسك المسجد و لجدرانه في الرواق الأول والثاني وعمود واحد لكل من الرواقين الثالث والرابع عمود واحد مفلطح ومنبسط ومزخرف بزخرفة رائعة جدا..
- النجمة الثمانية التي تزين سقف الرواق الخامس من جهة المنبر و المحراب متميزة (4 أضلاع منها خارجية و 4 الأخرى داخلية.. شكل متفرد للنجمة الثمانية لم أر شخصيا مثله في مكان ما). و رقم ثمانية له رمزيته في الإسلام.. فالنجمة "الثمانية" رمز الإسلام كما هي "الخماسية" نجمة سيدنا "داود"، و"السداسية" رمز اليهود و بني إسرائيل اليوم.. ورقم ثمانية هو أيضا عدد أبواب الجنة. فلم يكن اعتباطا تزيين رواق المحراب والمنبر بنجمة ثمانية. و تزيين المئذنة بقباب ثمانية العدد..
- ولاحظت وأنا أقترب إلى المنبر و المحراب من جهة الباب الكبير.. لاحظت أن الاهتمام يزداد بالزخرف على خشب الأروقة 5. (فهو بسيط و قليل من جهة الباب الرئيسي الكبير، و أنت متوجه نحو الرواق الثني ثم الثالث...إلى الخامس و الأخير جهة المنبر و المحراب و حجم الزخرفة على السقف و روعتها تزداد) وربما يحيل هذا إلى تراتبية معينة لطلاب العلم أو لعلماء هذه المنطقة او علماء هذا المسجد على حسب الأروقة و أهميتها تسير المراتب العلمية .. و الله أعلم..
- لاحظت كتابة تاريخية في العمود الخشبي الدائر بحواشي سقف المسجد من جهة الخانة الخامسة أي جهة المنبر، وهي غير واضحة وتحتاج إلى خبراء في تمييز الخطوط.. وقد تكون تلك الكتابة من أكثر الأشياء التاريخية التي قد تفيدنا عن تاريخ تشييد هذا المسجد العريق و مؤسسيه، وأسباب إنشاءه وبالتالي مدى قدمه وقيمته في التاريخ الإسلامي بهذه المنطقة من بلاد المغرب الأقصى والمغرب العربي الكبير..
- لا يوجد إصلاحات في الخشب الموجود في السقف حسب ما أخبرني به الإمام..
- السقف الخشبي في الأعلى يوضع فوقه التراب تم فوقه القرمود في الأعلى، كغطاء خارجي
- الأروقة الخمسة الموجودة بصحن المسجد توازيها أو تغطيها في الأعلى 5 قباب قرمودية مثلثة الشكل، كما هي عادة بناء المساجد المنتمية للعصر الإسلامي الوسيط، لانسياب الأمطار و إبعاد تأثيرات المطر و الرياح و مختلف العوامل الأخرى عن سطح المسجد مؤمنة له حماية أكثر و صمودا أكبر..
*كلمة ختامية:
- الأرقام 3 و5 فردية، و4 و 8 زوجية.. و أتمنى التعميق في بحث دلالات و رمزية هذه الأرقام المستنبطة من بناء و تصميم هذا المسجد.
- مسجد صغير بأبواب كثيرة(باب المدخل الكبيرة، باب من جهة المئذنة، باب تصل المئذنة بالمسجد، بويبة صغيرة تؤدي إلى البيت الموجود بوسط المئذنة، البيوية الصغيرة الموجودة إلى يمين موضع المحراب الأصلي وهي الباب التي كانت مخصصة لدخول النساء في السابق، وهي مقفولة اليوم و أصبحت عبارة عن طويقة أو نافذة لوضع ألواح حفظة القرآن). لابد لذلك من تفسيرات و دلالات سوسيولوجية و رمزية..
- تحس في هذا المسجد أن كل شيء موضوع برمزية وقصدية ودقة.
- إن ما يفسر جودة الخشب المستعمل في بناء المسجد هو أنني علمت من خلال إمام المسجد أنه كان هناك سوق قريب من المسجد تدخل إليه السلعة من المرسى (شاطئ تغزوت حاليا).
- مع الفيضان الخطير الذي هدد مسجد مسطاسة تكسرت الباب الرئيسية وهي ملقاة اليوم خارج المسجد.
- من الباحثين الذين اهتموا بمنطقة مسطاسة نجد الباحث " محمد الشيخ" الذي ألف كتابا حول حضارة مسطاسة و تحدث بالتالي عن مسجد مسطاسة.. وهو مهندس معماري بالحسيمة. أسهم هذا الباحث في التعريف بالمسجد وعرف جمعية هولندية بهذا المسجد العريق.. وعن طريق وساطته، حصل المسجد اليوم على صور محاط به حماية له من مياه الفيضانات.. (فيضانات وادي فضال).
- بالنسبة لتاريخ المسجد فأغلبية القول ترجح تشييده إلى السلطان "أبو الحسن المريني" المعروف بـ "السلطان الأكحل" أي إلى العصر المريني القرن 14م. مما يعني أن هذا المسجد عمر لمدة 8 قرون! إلى اليوم.. ووجود قصبة السلطان الأكحل في رأس الجبل بالمنطقة قد يؤكد نسبة هذا المسجد إليه أو إلى فترته على الأقل..
- كما أن هناك إحالات في كتاب الفقه الإسلامي تحيل إلى "الفقيه المسطاسي"، و التي ربما تدل على أن هذا المسجد كان موطنا للعديد من العلماء البارزين في تاريخ الفكر الإسلامي المغربي.. درسوا و درَسوا بهذا المسجد.
ومهما قلته عن هذا المسجد-التحفة، فوصفي وكلامي لا يغني عن ضرورة زيارته و مشاهدته مباشرة وبدون وسائط..
كما أتمنى شخصيا أن يلتفت كل الغيورين على دين الإسلام في كل العالم الإسلامي ممن له الاستطاعة على القيام بأي شيء من أجل هذا المسجد-التحفة.. حسب الاستطاعة؛
- فالناس العاديون (وخصوصا أصحاب القبيلة) بالتعريف به، و الدفاع عنه.
- و الباحثون والمهندسون.. بالدراسة و البحث.
- و الفقهاء و العلماء.. بالتعريف به لدى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للإسراع بترميمه قبل الضياع.
- و الفنانون و الرسامون و الفوتوغرافيون.. بتخليد ذاكرته في أعمال فنية تحفظه للتاريخ قبل فوات الأوان.
- تطوع أحد أو مجموعة من الميسورين من أجل التدخل لإنقاذ هذا الكنز الرائع من الضياع.