(
قتِل بائع حلوي شمالي على يد معارض جنوبي في المنطقة الفاصلة بين الشمال
والجنوب. لا يدري القتيل لماذا قتِل، ولا القاتل لماذا فعلها .. وكيف
تقبّل فكرة أن يقتل صديقه بتهمة كشف أسرار المناضلين)!
.
نص: مروان الغفوري
---
إلى القاتل المسكين، في الجبل البعيد
إلى بائع الحلوى، القتيل، في الجبل ذاته
إلى ولده الذي امتصته الجبال،
مثل معدة ديكتاتور مسلم
- في تلك الليلة، تلك الليلة، تلك الليلة.. هكذا يتذكرها.
إلى قاتله المؤمن بالله،
إلى ولده القوي، وهو يرتجفُ أمام الدم المهزوم
تجلّى ذلك في ابتهاله العظيم:
هيّا أيتها السماء، أيتها البدينة،
احرسي ظهري، وأنيمي عيني بلدي.
إلى القاتل والقتيل وهما يتبادلان الأدوار،
يموتان ووصيتهما مكتوبة على الرصاصة
الروسية الشعثاء، طويلة الأذرع.
يذوب رفاتهما فتشربه الرصاصةُ
الأوكرانية الملحدة، مطفأة القلب.
.. إليهما، عندما يلتقي ولداهما أمام البحر
تحرسهما رصاصة صينية ملفّقة
ذات أزيز كنائسي مهيب، كأزيز السفن والعناكب.
إلى القاتل والقتيل،
يحدّق كلّ منهما في عيني رفيقه:
- أرى سنبلة ضامرةً في عينيك،
خيلاً تأكل أذيالها.
- أرى نعجة عجفاء، تحت لسانك
أحراشاً تعجنُ السحاب، تمضغ أقدام الرعيان.
إليهما، القاتل والقتيل، يلتقيان ويفترقان
يفقدان ملامحهما شيئاً فشيئاً..
وصولاً لتلك اللحظة،
حيث تستحيل أعناقهما إلى متاريس
وينهضُ الحديدُ فوق اللسان:
- مُت الآن، برصاصتي، أيها التعيس.
- ( ....) وأنتَ، عش للغد، يحرُسك دمي الناعِم.
إلى القاتل، ينهرُ السماء، يسوقها أمامه إلى الجبل:
يا ملهمتي العجفاء، أريني ساقيك أختبئ خلفهما.
إلى القتيل، يدفنُ ظلالَه في سرّة الدجى:
أين أنت يا سماء، يا عجوز الملائكة،
يا سرير القتلى.
إليهما في منتصف الطريق
يفترشهما الظمأ،
وتحدّهما الرصاصة من كل الجهات.
إلى القاتل، الذي لا يعرفه أهل قريته
والقتيل الذي ينكر أهل قريته حادثة موته
إلى القريتين، يتداخل دخانهما .. ويسقط في الوادي
مثل الأسرار، والحواديت. مثل ريش النسور
يسقطُ في الوادي مثل الأسنان الحليبية.
إلى البلاد الكبيرة التي تقع على حدود جبين كل منهما
إلى الفكرة الصغيرة في رأسين جبليين
تجسّر المسافة بين التل والنجمة.
إلى عتمةٍ بدوية في عيني كلّ منهما
إلى الحقول التي ترعرعت في زند المقتول
ونهضت، للتو، بين كتفي القاتل
إلى سماء كل منهما، وهي تحطّ على شبّابة المطر:
يا سكّان الجبل، يا فلاحي السهول
احبسوا الأنهارَ في قمصانِكم، وانفلتوا..
إليهما في الشمس والظلال
في ضلف بقرةٍ، أو عجلة لاند كروز..
يشربان القهوة معاً، أو ظهراً لظهر
إلى القاتل الرعديد والقتيل الجسور ... والعكس
إليهما. تحديداً: إلى القاتل، وكذلك المقتول:
إلى أين تسوقان وطني العظيم؟
--
منشور في القدس العربي.