السـمـع ثم البـصـر
ورد في القرآن الكريم لفظي السمع و البصر معا ( 19) مرة، و ذكر في (17) موضعا
لفظة السمع قبل البصر منها قوله تعالى: ( و هو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة)
وقوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) الإسراء
والواقع أن كلا من السمع والبصر من الحواس الغالية والهامة في الإنسان
فعن طريقهما يطل على العالم الخارجي و يتلقى المدركات ويميز الأشياء ويتعرف عليها
ولكن ذكر السمع قبل البصر في القرآن يكاد يكون قاعدة مطردة
وقد نفهم الحكمة من ذلك اعتمادا على بعض مكتسبات العلم، والتي منها:
1- تبدأ وظيفة السمع بالعمل قبل وظيفة الإبصار، فقد تبين أن الجنين يبدأ بالسمع في نهاية الحمل
و قد تأكد العلماء من ذلك بإجراء بعض التجارب، حيث أصدروا بعض الأصوات القوية
بجانب امرأة حامل في آخر أيام حملها، فتحرك الجنين استجابة لتلك الأصوات
بينما لا تبدأ عملية الإبصار إلاّ بعد الولادة بأيام قال تعالى:
(إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا)
2- ومن الحقائق التي تجعل السمع أكبر أهمية من البصر هي أن تعلم النطق يتم عن طرق السمع
بالدرجة الأولى، وإذا ولد الإنسان و هو أصم، فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي
ويحدث لديه قصور عقلي وتردٍ في مدركاته وذهنه ووعيه، وهناك الكثير من الذين
حرموا نعمة البصر وهم صغار أو منذ الولادة، ومع ذلك فقد تعلموا درجة راقية من الإدراك
والعلم حتى الإبداع، وأبو العلاء المعري الشاعر المعروف مثال على ذلك
و لكننا لم نسمع بأن هناك إنسانا ولد و هو أصم، أو فقد سمعه في سنوات عمره الأولى
ثم ارتقى في سلم المعرفة، و ذلك لأن التعلّم والفهم يتعلقان لدرجة كبيرة بالسمع
والذي يفقد سمعه قبل النطق لا ينطق، ولذلك ربطت الآية القرآنية العلم بالسمع أولا ثم البصر
فقال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا
وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)
3- العين مسؤلة عن وظيفة البصر، أما الأذن فمسؤلة عن وظيفة السمع والتوازن أيضا
و قد تكون العبرة في هذا الترتيب أكثر من ذلك والله أعلم
منقول