التواضع أعظم نعمة أنعم الله بها على العبد ، قال تعالى : { فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } آل عمران / 159 ، وقال تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم / 4 ، وهو قيامه صلى الله عليه وسلم بعبودية الله المتنوعة ، وبالإحسان الكامل للخلق ، فكان خلفقه صلى الله عليه وسلم التواضع التام الذي روحه الإخلاص لله والحنو على عباد الله ، ضد أوصاف المتكبرين من كل وجه…
التواضع يتولد من العلم بالله سبحانه ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، ونعوت جلاله ، وتعظيمه ، ومحبته وإجلاله ، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها ، وعيوب عملها وآفاتها ، فيتولد من بين ذلك كله خلق هو ” التواضع ” ، وهو انكسار القلب لله ، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده ، فلا يرى له على أحدف فضلاً ، ولا يرى له عند أحدف حقّاً ، بل يرى الفضل للناس عليه ، والحقوق لهم قفبَلَه ، وهذا خلفق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبّفه ، ويكرمه ، ويقربه.عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما نقصت صدقةٌ من مال ، وما زاد الله عبداً بعفوف إلا عزّاً ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ” التواضع خلق الأنبياء ومفخرتهم، وأصل ترشحهم للنبوة وهداية البشر، وهو خُلُقٍ كريم وخلّة جذابة، تستهوي القلوب وتستثير الإعجاب والتقدير، ولهذا نرى أن الله تعالى أمر نبيه المختار صلى الله عليه وسلم بالتواضع فقال تعالى: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين"(1).
أول معصية
وكفى بهذه الفضيلة شرفاً أن أول معصية عصي بها المولى تعالى هي ما يقابلها من الرذيلة وهو "التكبر"، عندما أطل إبليس رافضاً السجود لادم تكبراً واستعلاءً فكانت النتيجة أن حل عليه الغضب الإلهي: "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها"(2).
التواضع أن تتعامل مع الناس بكل انسانية دون التعالي عليهم ودون ترك انطباع لديهم بأنك تتباهى بذاتك وهي ليست ملكك بل ملكا لخالقك ….. المتواضع لله ينسب دائما كل مايقوم به الى الله لأنه مؤمن بأنه لايحدث شيئ في الدنيا من خير أو شر الا باذن الله وان لم يرد الله له أن ينجح فلن ينجح .
من تواضع لله كسب الدنيا والآخرة…… ففضلا عن مباركة الله له في عمله ودنياه وحب الآخرين له فانه في الآخرة لايدخل الجنة من كان يملك في قلبه أو نفسه ذرة من كبر كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وبذلك فان المتواضع يفز بدنياه وآخرته .
التواضع من شيم النبلاء ، وهو من أحد مكارم الأخلاق التي تنشر روح المحبة والتعاون بين البشر وتعطي مجتمعا متحابا في الله يخلو من الكبر والحسد والغيرة ويساعد على ارتقاء المجتمع وتقدمه لأن المتواضع شخص يؤمن بالله ايمانا عميقا .
واضع تكن كالنجم لاح لناظر **** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه **** إلى طبقات الجو وهو وضيـع
ومن استشعر التواضع وعاشه. وذاق حلاوته كره الكبر وبواعثه ورحم أهله ورأف لحالهم نعوذ بالله من حالهم.
أسأل اللهَ العظيم رب العرش العظيم أن ينفع بهذه المقالة طلبة العلم وإياي أيضاً إنه هو السميع العليم ، وأن يجعلها في قلوبنا, وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
اللهـم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبـه أجمعين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.