منْ مِنَّا لا يشتكي؟ الزوج يشتكي والزوجة تشتكي، الوالد يشتكي والوالدة تشتكي، رب العمل يشتكي والعامل يشتكي، الغني يشتكي والفقير يشتكي، لا بل ذوو الأرحام، حتى الجيران، يشتكي بعضهم البعض !
ومعظم هذه الشكاوى تدور حول المنفعة الذاتية الآنية بكافة جوانبها، ليطرح السؤال نفسه هنا وبقوة :
المسألة إذا محسومة منذ البداية ! إذا استثنينا شكوى المظلوم، وطلب الشفاعة لإحقاق الحق. فالشكوى لغير الله اعتراض على مقادير الله، ومحاولة «تحريف» بشري لما جاء في اللوح المحفوظ !
الإسلام يوجهنا إلى ضرورة الاستعانة بالله وحده عند الشدة، لا المسارعة إلى الشكوى والتشكي، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: « من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس، كان قمناً من ألا تسد حاجته، ومن أنزلها بالله - عز وجل - أتاه الله برزق عاجل » (أحمد)،
ونشتكي الزوجة دون أن نستحضر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: « لَوْ أحسنتَ إلى إِحداهُنَّ الدَّهرَ، ثمَّ رأتْ منكَ شَيئاً، قالتْ: ما رأيتُ مِنكَ خَيْراً قَطُّ » (البخاري)، ونشتكي الجار والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنْ سَيُورِّثُهُ» (ابن حبان)،
ونشتكي الولد دون أن نبحث في ماضي تربيتنا له..!
إذاً علينا تصحيح مناهج ذواتنا قبل طرح شكاوينا، ومن ثم، الاستعانة بالصبر والاحتساب، بعد اتخاذ كافة الأسباب الموصلة لتحقيق ما نصبو إليه، لأن الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها.
فلو تأملنا في «حُسن الخُلق» ، وما يدره على المسلم من خير عاجل في الدنيا، وخير آجل في الآخرة، لما وجدنا لكثير من الشكاوى منفذاً،
خاصة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة قال: « تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ » (الترمذي)، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: « أَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا » (الترمذي).
ولكن، يبقى الإنسان، وهو يسير وراء سُنن الله في الكون والخلق، ضعيفاً عجولاً، فاستحدث سُبلاً لتنفيس شكاويه : فالشعراء يشتكون للبحر والسماء والنجوم، والمريض يشكو حاله لمن حوله، ومنهم من يشتكي في أحلامه، أو من خلال كتابة مذكراته، وآخرون يعتقدون أن في الانتحار الحل المأمول!
إلا أنه من اللافت للنظر انتشار الشكاوى، وبشكل واسع، على مواقع الإنترنت، لما تضمنه من حرية لا توجد في غيرها.. ويبقى في النهاية، أن الحل الأنجح هو أن نسأل الله وحده.. فأبوابه مفتوحة لا تُغلق، لا بل يغضب - سبحانه وتعالى - إن لم يُسأل..
وألا نسأل ابن آدم حاجة لأنه حين يُسأل يغضب! ثم لنعلم بأن الشكوى لله لا يلزمها تقنيات، بل اتصال القلب مع الخالق بالدعاء، ونجوى تقتلع جبال اليأس من مكانها..