الفتوى رقم: 18
الصنف: فتاوى طبية
تمريض المرأة للرجل
السؤال: نرجو من
شيخنا أبي عبد المعز-حفظه الله ونفع به- أن يفيدنا بالجواب على مسألة تتعلق بحكم
مداواة الممرضة للرّجال، و كذلك فيما يخص ضرب الحقن إن لم يكن في المستوصف إلا هي
للقيام بهذا و لعدم وجود ممرض من الرجال.
أفيدونا
جزاكم الله خيرا تفصيلا شافيا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمد و
على آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأصل في اختلاط المرأة
بالرجل المنع والحظر، و كذا في ستر العورات للأدلة الواردة في ذلك، غير أنّه
يُستثنى من المنع بعض الحالات ترجع إلى
الضرورة أو الحاجة
الشرعية أو المصلحة الشرعية، بشرط أمن الفتنة وعدم الخلوة مع الالتزام بالآداب
والأحكام الشرعية التي تلتزم بها المرأة في لباسها
وكلامها وزينتها وفي
نظرها للأجنبي و نظر الأجنبي لها وانعَدم من يقوم بذلك من الرّجال ويشهد لذلك ما
رواه البخاري عن الرُّبيّع بنت مُعوّذ قالت:
"كنّا مع النّبي صلى
الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى ونردُّ القتلى إلى المدينة"(١) وما رواه البخاري أيضا
"أنّ عائشة و أمّ سُليم رضي الله عنهما
كانتا تنقلان القرب على
متونهما، ثمّ تفرغانه في أفواه القوم، ثمّ ترجعان فتملآنها، ثمّ تجيئان فتفرغانه في
أفواه القوم"(٢) فإنّ مثل هذه الأعمال
المتعلقة
بالجهاد تُحقق مصلحة شرعية
أجاز الشرع للنّساء القيام بها وإن اقتضت مخالطة الرجال، و في صحيح مسلم عن أنس بن
مالك قال: "كان رسول
الله
صلى الله عليه و سلم يغزو
بأمّ سُليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى"(٣) وقد تدفع الحاجة
والمصلحة إلى الاختلاط
لغرض خدمة الضيوف، و قد
جاء في الحديث الذي رواه البخاري أنّه: " لماّ عرّس أبو أُسَيد الساعدي دعا النّبي
صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه،
فما صنع لهم طعاما، ولا
قرّبه إليهم إلاّ امرأته أمّ أُسيد"(٤).
هذا، واعلم أنّه لا
يجوز للمرأة كشف عورتها لطبيب أو من يقوم مقامه مع وجود طبيبة أو ممرضة تُغني عنه،
و إذا كشفت عورتها فلا يشرع لها أن
تكشف منها ما لا ضرورة
في كشفه على ما قرره السيوطي و ابن نُجَيم في الأشباه و النظائر عملاً بقاعدة
الضرورات تقدر بقدرها.
و إذا مرضت مرضاً لا هلاك
معه، غير أنّه يسبب لها ألماً شديداً و مستمراً فيجوز لها أن تكشف عورتها للطبيبة
أو للطبيب عند تعذر وجود الطبيبة إذا
تعين ذلك لشفائها تنزيلاً
للحاجة منزلة الضرورة عامة أو خاصة، حيث أنّ ستر العورة تحسيني وزوال الألم الدائم
حاجيّ، والحاجيّ أولى من التحسينيّ
مطلقاً بخلاف ما لو كان
الألم خفيفًا و معتادًا، فلا يجوز لها كشف العورة لاستواء درجة دفع الألم مع ستر
العورة لأنّ كلاًّ منهما تحسينيّ، غير أنّه يغلب
ستر العورة تقديماً
للحاظر على المبيح، و شأن النّساء مع الرّجال كشأن الرّجال مع النّساء لقوله صلى
الله عليه وسلم: "النّساء شقائق الرّجال"(٥)
ما
لم يرد دليل الخصوصية.
والله أعلم بالصواب؛ و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على
محمد وعلى آله و صحبه وإخوانه و سلم تسليما.
١- أخرجه البخاري كتاب الجهاد، باب مداواة النساء الجرحى
في الغزو(2882)، من حديث الربَيِّع بنت معوّذ رضي الله
عنها.
٢- أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء
وقتالهن مع الرجال(2880)، ومسلم في الجهاد والسير(4786)، والبيهقي(18311) من حديث
أنس رضي الله عنه.
٣- أخرجه مسلم كتاب الجهاد والسير، (4785). وأبو داود
أول كتاب الجهاد، باب في النساء يغزون(2533). والترمذي كتاب السير، باب ما جاء في
خروج النساء في الحرب(1670).من حديث أنس بن مالك رضي الله
عنه.
٤- أخرجه البخاري في «النكاح»، باب قيام
المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم: (4887), ومسلم في «الأشربة»، باب إباحة النبيذ
الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا: (5233). وابن ماجه في «النكاح»، باب الوليمة: (1912)،
وابن حبان في «صحيحه»: (5395)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (17880)، من حديث سهل
ابن سعد الساعدي رضي الله عنه.
٥- أخرجه أبو داود في «الطهارة»، باب في
الرجل يجد البلة في منامه (236)، والترمذي في «أبواب الطهارة» باب ما جاء فيمن
يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر (113)، وأحمد (25663)، وأبو يعلى (4694)، والبيهقي
(818)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»
(2333)، وفي «السلسلة الصحيحة» (2863).
الشيخ فركوس حفظه
الله