المرقشين
أغالِبُكَ القلبُ اللَّجوج صَبَابَةً * وشوقاً إلى أسماءَ أمْ أنتَ غالُبُهْ
يهيمُ ولا يعْيا بأسماء قلبُه * كذاك الـهوى إمرارُه وعواقِبُهْ
أيُلحى امرؤ في حبِّ أسماء * قد نأى بِغَمْزٍ من الواشين وازورَّ جانبُهْ
وأسماءُ هَمُّ النفس إن كنتَ عالماً * وبادي أحاديثِ الفؤادِ وغائبهْ
إذا ذكرَتْها النفسُ ظَلْتُ كأنَّني * يُزعزعني قفقاف وِرْدٍ وصالبُهْ
إمرؤ القيس
أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذا التّدَلُّلِ * وَإن كُنتِ قد أزمعْتِ صَرْمي فأجْمِلي
أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي * وَأنّكِ مهما تأْمُري القلبَ يَفْعلِ
وَإنْ تكُ قد ساءتْكِ مني خَليقَةٌ * فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَن
**********
مهفهفة بيضاء غير مفاضة * ترائبها مصقولة كالسجنجل
كبكرة المقاناة البياض بصفرة * غذاها نمير الماء غير المحلل
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي * بناظرة من وحش وجرة مطفل
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش * إذا هي تصته ولا بمعطل
وفرع يزين المتن أسود فاحم * أثبت كقنو النخلة المتعثكل
غدائره مستشزرات إلى العلا * تضل المدارى في مثنى ومرسل
وتعطو برخص غير شثن كأنه * أساريع ظبى أو مساويك اسحل
وتضحى فتبت المسك فوق فراشها * نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
تضئ الظلام بالعشاء كأنها * منارة ممسى راهب متبتل
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة * إذا ما اسبكرتت من درع ومجول
جميل بن المعمر
ألا ليت ريعان الشباب جديد * ودهرا تولى - يا بثين - يعود
فنبقى كما كنا نكون وأنتمو * قريب وإذ ما تبذلين زهيد
وما أنسى الأشياء لا أنسى قولها * وقد قربت نضوي : أمصر تريد
و لا قولها : لولا العيون التي ترى * لزرتك فاعذرني فدتك جدود
خليلي ما ألقى من الوجد باطن * ودمعي - بما أخفي الغداة - شهيد
إذا قلت : ما بي يا بثينة قاتلي * من الحب قالت : ثابت ويزيد
وإن قلت : ردي بعض عقلي أعش به * تولت وقالت : ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا * ولا حبها فيما يبيد يبيد
جزتك الجوازي يا بثين سلامة * إذا ما خليل بان وهو حميد
وقلت لها : بيني وبينك فاعملي * من الله ميثاق له وعهود
وقد كان حبيكم طريفا وتالدا * وما الحب إلا طارف وتليد
وإن عروض الوصل بيني وبينها * وإن سهلته بالمنى لكؤود
وأفنيت عمري بانتظاري وعدها * وأبليت فيها الدهر وهو جديد
ويحسب نسوان من الجهل أنني * إذا جئت إياهن كنت أريد
فأقسم طرفي بينهن فيستوي * وفي الصدر بون بينهن بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بوادي القري إني إذن لسعيد
طرفة بن العبد
أتعْرِفُ رسمَ الدارِ قَفْراً مَنازِلُهْ، * كجَفْنِ اليمانِ زَخرَفَ الوشيَ ماثلُهْ
بتثلِيثَ أوْ نَجرَانَ أوْ حيثُ تَلتقي، * منَ النّجْدِ في قِيعانِ جأشٍ مسائلُه
دِيارٌ لِسلْمى إذ تصِيدُكَ بالمُنى، * وإذ حبلُ سلمى منكَ دانٍ توَاصُلُه
وإذ هيَ مثلُ الرّئمِ، صِيدَ غزالُها، * لـها نَظَرٌ ساجٍ إليكَ، تُوَاغِلُهْ
غَنِينا، وما نخشى التّفرّقَ حِقبَةً، * كِلانا غَريرٌ، ناعِمُ العيش باجِلُه
لَيَاليَ أقْتادُ الصِّبا ويَقُودُني، * يَجُولُ بنَا رَيعانُهُ ويُحاوِلُه
سَما لكَ من سلْمى خَيالٌ ودونَها * سَوَادُ كَثِيبٍ، عَرْضُهُ فأمايِلُهْ
فذُو النّيرِ فالـأعلامُ من جانبِ الحِمى * وقُفٌّ كظَهْرِ التُّرْسِ تجري أساجلـه
وأنّى اهْتَدَتْ سلمى وَسائلَ، بَيننا * بَشاشَةُ حُبٍّ، باشرَ القلبَ داخِلُهْ
وكم دُونَ سَلمى من عدُوٍّ وبلدةٍ * يَحارُ بها الـهادي، الخفيفُ ذلاذلُه
يَظَلُّ بها عَيرُ الفَلاةِ، كأنّهُ * رقيبٌ يُخافي شَخْصَهُ، ويُضائلُهْ
وما خِلْتُ سلمى قبلَها ذاتَ رِجلةٍ، * إذا قَسْوَرِيُّ الليلِ جِيبَتْ سَرَابلـهْ
وقد ذَهَبَتْ سلمى بعَقْلِكَ كُلّهِ، * فهَلْ غيرُ صَيدٍ أحْرَزَتْهُ حَبائِلـه
كما أحْرَزَتْ أسْماءُ قلبَ مُرَقِّشٍ * بحُبٍّ كلمْعِ البَرْقِ لاحتْ مَخايلـه
وأنْكَحَ أسْماءَ المُرَاديَّ، يَبْتَغي * بذلكَ، عَوْفٌ أن تُصَابَ مُقاتِلـه
عنترة بن شداد
بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ * إذا أتاني بريحهِ العطِرِ
ألذُّ عندي مِمَّا حَوتْهُ يدي * مِنَ اللآلي والمالِ والبِدَر
ومِلْكُ كِسْرَى لا أَشتَهيه إذا * ما غابَ وجهُ الحبيبِ عنْ نظري
سقى الخِيامَ التي نُصبْنَ على * شربَّةِ الـأُنسِ وابلُ المطر
منازلٌ تَطْلعُ البدورُ بها * مبَرْقعاتٍ بظُلمةِ الشَّعر
تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وَهْيَ لاهِيَةٌ * كأنّما شَفَّ وَجْهَها نُزُفُ
بيضٌ وسُمْرٌ تَحْمي مَضاربَها * أساد غابٍ بالبيضِ والسُّمر
صادتْ فُؤادي مِنهُنَّ جاريةٌ * مكْحولةُ المقْلتين بالحور
تريكَ مِنْ ثغرِها إذا ابتَسمت * كأسَ مُدامٍ قد حُفَّ بالدُّررِ
أعارت الظَّبيَ سِحرَ مقْلتها * وباتَ ليثُ الشَّرَى على حذَر
خودٌ رداحٌ هيفاءُ فاتِنةٌ * تُخجلُ بالحُسنِ بهجةَ القمر
يا عبلَ نارُ الغرام في كَبدي * ترمي فؤَادي بأَسْهُم الشرر
**********
إن طيف الخيال يا عبل يشفي * ويداوي به فؤادي الكئيب
وهلاكي في الحب أهون عندي * من حياتي إذا جفاني الحبيب
يا نسيم الحجاز لولاك تطفا * نار قلبي أذاب جسمي اللهيب
لك منى إذا تنفست حر * ولرياك من عبيلة طيب
ولقد ناح في الغصون حمام * فشجاني حنينه والنحيب
بات يشكو فراق إلف بعيد * وينادي أنا الوحيد الغريب
يا حمام الغصون لو كنت مثلي * عاشقا لم يرقك غصن رطيب
فاترك الوجد والهوى لمحب * قلبه قد أذابه التعذيب
كل يوم له عتاب مع الدهر * وأمر يحار فيه اللبيب
وبلايا ما تنقضي ورزايا * ما لها من نهاية وخطوب
**********
أشاقك من عبل الخيال المبهج * فقلبك منه لاعج يتوهج
فقدت التي بانت فبت معذبا * وتلك احتواها عنك للبين هودج
كأن فؤادي يوم قمت مودعا * عبيلة مني هارب يتمعج
خليلي ما أنساكما بل فداكما * أبي وأبوها أين أين المعرج
الماء بماء الدحرضين فكلما * ديار التي في حبها بت ألهج
ديار لذات الخدر عبلة أصبحت * بها الأربع الهوج العواصف ترهج
الا هل ترى إن سط عني مزارها * وأزعجها عن أهلها الآن مزعج
فهل تبلغني دارها شدنية * هملعة بين القفار تهملج