هذا الدرس يمكن الإستفادة منه خاصة تلاميذ السنة الرابعة متوسط أسرار وخفايا عن ظاهرة البرق[You must be registered and logged in to see this image.]
إن الحديث عن ظاهرة البرق ظلَّ مرتبطاً بالخرافات والأساطير لآلاف السنين ، وفي الزمن الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي في القرن السابع الميلادي ، لم يكن لأحد وقتها أي علم عن العمليات التي تحدث داخل البرق .
فقد أثبتت التجارب أن هنالك عمليات فيزيائية وكيميائية دقيقة تحدث داخل شعاع البرق ، وهي اليوم محلّ اتفاق من قبل جميع العلماء . ويمكن رؤية هذه العمليات اليوم بفضل الكاميرات الرقمية المتطورة ، كما يمكن اعتبار وجود هذه العمليات كحقائق يقينية لا شكّ فيها . وعلى الرغم من التطور التقني الكبير لهذه الأجهزة تبقى المراحل الدقيقة جداً للبرق لغزاً محيراً للعلماء .
ففي ظل الظروف السائدة داخل شعاع البرق لا يمكن لأي جهاز أن يتحمل الحرارة الهائلة والتوتر الكهربائي العالي جداً . فدرجة الحرارة في مركز شعاع البرق تصل إلى 30 ألف درجة مئوية ، أي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس !
إن التوتر الكهربائي الذي تولده ومضة البرق الواحدة يصل إلى ملايين الفولتات ، وبالتالي تُعتبر دراسة البرق من أصعب أنواع الدراسة التجريبية وأكثرها تعقيداً ، وذلك لأن زمن المراحل التي تشكل ومضة البرق من مرتبة المايكرو ثانية ، أي من مرتبة الجزء من المليون من الثانية ، وهذا الزمن ضئيل جداً وصعب الإدراك .
[You must be registered and logged in to see this image.]شكل (1) إن درجة الحرارة داخل شعاع البرق أكثر من خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس ! كما أن شدة التيار الكهربائي الذي تولده ومضة البرق الواحدة يصل إلى أكثر من 200 ألف أمبير ، وهذا ما يجعل دراسة البرق معقدة جداً .
حقائق تاريخية
ظلت ظاهرة البرق حدثاً محيِّراً للعلماء على مدى قرون طويلة ، ونُسجت الأساطير الكثيرة حول البرق وتأثيراته ، فكلّ حضارة كانت تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها حدث مقدس يرتبط بالآلهة ، وكل حضارة كانت تحاول إعطاء تفسير لهذا الحدث المرعب .
ففي الأساطير الإغريقية مثلاً كان التفسير المقبول وقتها لدى علماء القرن السابع هو أن البرق كان سلاحاً للإله «زيوس Zeus» الذي استخدمه لتخويف أعدائه والانتقام منهم . وحتى عهد قريب كان الناس يعتقدون في أوربا بوجود هذا الإله الذي يسمونه «صانع البرق» .
كما كانت بعض الشعوب تعتقد بوجود ثور يركب عربة ويخترق الغيوم وفي يده مطرقة كلما طرق بها تولد البرق ! أو أن هنالك طائراً كلما رفرف بجناحيه تولد صوت الرعد ! أما البرق فهو عبارة عن الريش اللامع لهذا الطائر . وهكذا بقيت الخرافات مسيطرة على عقول البشر آلاف السنين .
وعندما جاء العصر الحديث قام العلماء بتجارب علمية متعددة منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي وحتى يومنا هذا ، أي على مدى أكثر من قرنين ونصف ، وخلال هذه الفترة قام العلماء بآلاف التجارب في سبيل فهم هذه الظاهرة المحيّرة ، والتي لا تزال التفاصيل الدقيقة مجهولة تماماً بالنسبة لنا حتى الآن .
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/eng24b3e2923a.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.]) صورة تمثل المعتقدات القديمة عند الإغريق ، حيث كانوا ينسبون البرق للآلهة وليس كظاهرة طبيعية لها قوانينها . ففي أساطير الحضارة الإغريقية كان التفسير المقبول للبرق هو أنه سلاح للإله «زيوس» الذي كان يحرق فيه كل من يعصيه أو يخالف أوامره .
[color=black]
البرق في العصر الحديث
في عام 1746 بدأ العالم «بنيامين فرانكلين» تجاربه حول الكهرباء ، ثم اقترح أول تجربة علمية منظّمة أثبت من خلالها الطبيعة الكهربائية للبرق ، وأن البرق ما هو إلا شرارة كهربائية ناتجة عن التقاء شحنتين كهربائيتين متعاكستين .
ففي عام 1750 كتب هذا العالم ما معناه :
«لكي نحدّد ما إذا كان البرق عبارة عن كهرباء أم لا ، نقوم بالوقوف في غرفة صغيرة على برج عالٍ ، ثم نرسل سلكاً من الحديد عالياً في الجو أثناء وجود غيوم كثيفة وممطرة ، أي أثناء وجود عاصفة رعدية ، إن الكهرباء الموجودة في الغيوم سوف تنتقل عبر القضيب المعدني من نهايته العليا إلى نهايته السفلى ، وسوف تنطلق شرارة كهربائية ، وينبغي عزل هذا القضيب بالشمع لكي لا تنتقل الكهرباء عبر الجسم وتسبب الأذى .
لقد نفّذ هذا العالم تجربته عام 1752 م باستخدام طائرة ورقية هي الأشهر في التاريخ وخرج بنتيجة لأول مرة يقول من خلالها إن البرق هو عبارة عن شرارة كهربائية نتيجة التقاء شحنتين متعاكستين .
وفي العام ذاته أي 1752 م ، قام العالم الفرنسي «توماس فرانسوا» بتطبيق هذه التجربة ، فصنع طائرة ورقية وربطها بسلك معدني ثم أرسلها عالياً في يوم ممطر ، وعندما قرَّب نهاية القضيب من الأرض انطلقت شرارة قوية تشبه شرارة البرق ، فأثبت بذلك أن الغيوم تحتوي على شحنات كهربائية . ولكن النتائج التي حصل عليها كانت متواضعة جداً ولم يستطع إدراك العمليات الفيزيائية التي تسبب هذه الشرارة القوية .
في عام 1753 قام الفيزيائي السويدي «رتشمان» بتجربة حول البرق أثبت فيها أن الغيوم الرعدية تحوي شحنات كهربائية ، وقد قُتِل بسبب صدمة البرق التي تعرض لها عندما قام بتطبيق تجربة «فرانكلين» فأرسل طائرة ورقية عالياً لتلامس الغيوم ولكنه نسي أن يعزل السلك المعدني فتسببت الشرارة الكهربائية القوية بقتله على الفور.
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/eng90acd18398.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.]) «فرانكلين» هو أول من اقترح تجربة علمية لكشف طبيعة البرق التي كانت مجهولة تماماً من قبل ، وقد أثبت من خلال تجربته أن الغيوم تحوي شحنات كهربائية .
[color=black]واستمرت التجارب ، ولكن المعرفة بالبرق بقيت متواضعة حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، عندما أصبح التصوير الفوتوغرافي ممكناً ، وعندها أصبح بإمكان العلماء التقاط صور لومضات البرق ومن ثم تحليلها ومعرفة بعض تفاصيلها التي لا تدركها عين الإنسان .
لقد بدأ التصوير الفوتوغرافي للبرق عام 1935 في الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن أجهزة التصوير كانت بطيئة وبقيت العمليات الدقيقة التي ترافق ظاهرة البرق مجهولة حتى الستينات من القرن العشرين ، حيث تطورت التجارب وازداد الاهتمام بها لتجنب صدمات البرق التي تتعرض لها المراكب الفضائية والطائرات والمنشآت الصناعية .
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/engde1c873339.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.]) قبل مجيء القرن التاسع عشر لم يكن بالإمكان معرفة أي شيء عن طبيعة هذه الومضة الخاطفة من البرق ، لقد استمرت التجارب طيلة قرنين كاملين حتى تمكن العلماء من معرفة آلية حدوث البرق والعمليات التي تحدث داخله .
[color=black]وقد أمكن استخدام التصوير السريع والمراكب الفضائية والرادارات والحاسوب لمعالجة ودراسة البيانات التي قدمتها مختبرات مراقبة البرق .
وهكذا استطاع العلماء أخيراً بفضل التصوير فائق السرعة والمعالجة الرقمية للبيانات أن يثبتوا أن ومضة البرق الواحدة قد تتألف من عدة ضربات ، وكل ضربة تتألف من عدة مراحل أو أطوار .
وقد تم قياس الأزمنة لكل مرحلة بدقة كبيرة ، ورؤية هذه المراحل ، ولم يتحقق هذا إلا في نهاية القرن العشرين ، وبداية القرن الحادي والعشرين .
:::أنواع البرق:::قبل البدء بالتعرف على أسرار البرق وتفاصيله الدقيقة نود أن نعرِّف القارئ الكريم بأهم أنواع البرق والتي قد لا تخطر بباله ، وذلك لبيان مدى تعقيد هذه الظاهرة والتنوع الكبير في ضربات البرق ، فالبرق يمكن أن يضرب في أي مكان على الأرض أو في السماء .
يحدث البرق على عدة أنواع حسب مكان وجود الشحنتين الموجبة والسالبة . وأكثر الأنواع شيوعاً وأهمية هو البرق الناتج من التقاء شحنتين متعاكستين بين الغيمة والأرض . فغالباً ما تكون الغيمة ذات شحنة سالبة عند الجهة القريبة من الأرض ، أما سطح الأرض فيكون ذا شحنة موجبة ، ويسمي العلماء هذا النوع «برق غيمة-أرض» .
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/eng888762a0e1.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.]) تحدث ومضات البرق نتيجة التقاء الشحنة الكهربائية السالبة في أسفل الغيمة مع الشحنة الكهربائية الموجبة الموجودة على سطح الأرض . ويسمى هذا النوع «برق غيمة-أرض» ، وهو النوع الأكثر ملاحظة بالنسبة لنا.
[color=black]أما النوع الثاني فهو ما يحدث بين غيمة وغيمة أخرى ، وبما أن الوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالحقول الكهربائية فإن احتمال تلامس الشحنات المتعاكسة والتقائها كبير جداً .
ولذلك فإن البرق الذي يحدث بين الغيوم يمثل ثلاثة أرباع ومضات البرق ، والتي تقدر كما قلنا بمئة ومضة في كل ثانية وذلك في مختلف أنحاء العالم . ويعرف هذا النوع بـ «برق غيمة – غيمة» .
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/enga12c9804bb.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.]7) نماذج للبرق الذي يحدث بين غيمة وأخرى ، حيث تلتقي الشحنات الموجبة الموجودة في أحد أطراف الغيمة مع شحنات سالبة قريبة وموجودة على أطراف غيمة مجاورة وتحدث ومضات البرق التي تشكل 75 % تقريباً من مجموع ضربات البرق على سطح الكرة الأرضية .
[color=black]أما النوع الثالث فهو ما يحدث بين الغيمة والهواء . حيث تكون الغيمة محمّلة بشحنة كهربائية ، والهواء المحيط بها من أحد جوانبها يحمل شحنة معاكسة .
وعندما تكون كمية الشحنات الكهربائية في الغيمة وفي الهواء كافية ينطلق شعاع البرق ، ويحدث هذا النوع الذي يعرف بـ «برق غيمة – هواء» .
وهذا النوع من أنواع البرق قليل الملاحظة ، وعلى الرغم من ذلك فقد تم حديثاً التقاط صور واضحة للبرق الحاصل بين الغيوم والهواء المحيط بها .
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/eng7c91946cf0.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.]) برق من نوع «غيمة-هواء» ، حيث تلتقي الشحنات الموجبة في أعلى الغيمة مع الشحنات السالبة في الهواء المحيط بها . وقد تكون الغيمة محمَّلة بشحنات سالبة في الأعلى ويكون الهواء القريب منها مشحوناً بشحنة كهربائية موجبة ، وعندما تكون كمية الشحنة الكهربائية كافية يحدث هذا النوع من أنواع البرق .
[color=black]هنالك نوع آخر وهو البرق بين الغيمة وطبقات الجو العليا ، ويحدث هذا البرق بين الطبقات العليا في الغيوم الركامية وبين طبقة الأيونوسفير والتي تحوي حقلاً كهربائياً بشكل دائم .
وقد أمكن رؤية برق كهذا بواسطة أجهزة التصوير المثبتة على الأقمار الاصطناعية ، مع العلم أن جميع أنواع البرق تحدث نتيجة التقاء شحنات متعاكسة . وسوف نرى في الفقرات القادمة أن الآلية الهندسية لحدوث البرق متشابهة في جميع أنواعه .
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/enge08e2834c1.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.]) البرق الذي يحدث بين الغيمة وطبقة الجو «الأيونوسفير» ، وهذه الومضة تستمر عادة حتى عشرة أجزاء من الألف من الثانية .
[color=black]وهنالك أنواع أخرى كثيرة نذكر منها ما يحدث داخل الغيمة ذاتها ، وإذا علمنا بأن أية غيمة تحمل شحنة موجبة في أحد طرفيها ، فلا بد أن تحمل شحنة سالبة في طرفها المقابل ، وهكذا وفي ظروف العواصف الرعدية يحدث التلامس ويتحقق البرق الذي يضيء الأرض ولكنه لا يصل إليها .
كذلك هنالك برق يحدث في أشهر الصيف وآخر في الشتاء ، وهنالك برق على شكل كرة ، وبرق صفائحي وغير ذلك كثير.
كما أن العلماء رصدوا برقاً على بعض الكواكب مثل المشتري أشد بمئة مرة من تلك الضربات على الأرض .
واليوم ومنذ عدة سنوات يعمل العلماء على دراسة ومراقبة البرق من الفضاء باستخدام تقنيات متطورة جداً، وقد توصلوا لحقائق كثيرة عن هذه الظاهرة ، ولذلك يمكن القول إن الحديث عن آلية البرق في هذا البحث هو حديث عن حقائق قطعية الثبوت . لأنه لا يجوز لنا أن نبني تفسيراً علمياً لآية كريمة أو حديث نبوي شريف إلا على الحقائق اليقينية .
الغيوم الرعدية
إن البرق لا يحدث في أية غيوم ، بل هنالك غيوم محددة يسمِّيها العلماء بالغيوم الرعدية ، وهي البيئة المناسبة لحدوث البرق ، وقد تكون هنالك غيمة واحدة أو عدة غيوم وهو الأغلب .
وهذه الغيوم تكون عادة ممتلئة بالحقول الكهربائية بسبب الرياح التي تسوق جزيئات بخار الماء وتدفعه للأعلى وتسبب احتكاك هذه الجزيئات بعضها ببعض مما يولد هذه الحقول الكهربائية .
في الوقت نفسه تتجمع شحنات سالبة وأخرى موجبة في الغيمة ، وغالباً ما ترتفع الشحنات الموجبة للأعلى وتبقى السالبة في أسفل الغيمة من الجهة القريبة من الأرض.
لقد دلّت الدراسات أيضاً أن هنالك فرقاً في الجهد الكهربائي بين سطح الأرض وطبقة الأيونوسفير يبلغ 500 ألف فولت ، وهذا الفرق ينتج بسبب التوزع العالمي للعواصف الرعدية ، والتي تعتبر ضرورية للحفاظ على هذا الفرق.
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/eng259dcfb90d.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.][/URL
شكل (10) يحتاج حدوث البرق لغيوم كثيفة وثقيلة تزن ملايين الأطنان . ولذلك فقد ربط البيان الإلهي بين السحاب الثقال والبرق فقال ﴿هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشئ السحاب الثقال﴾ [الرعد : 12] .
URL=https://2img.net/r/ihimizer/i/engb7671a04bb.jpg/]
[You must be registered and logged in to see this image.][/URL
شكل (11) تسمى هذه الغيوم بالغيوم الرعدية ، لأنها تتشكل في العواصف الرعدية ، وفيها يحدث البرق .
************************* يتبع ***************************