لماذا الغرب000 ؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد0000
لماذا الغرب الكافر0000 ردود على الشبهات
الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات . . . مجتمع إسلامي ، ومجتمع جاهلي . .
المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام . . عقيدة وعبادة ، وشريعة ونظاماً ، وخلقاً وسلوكاً . . و المجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام ، ولا تحكمه عقيدته وتصوراته ، وقيمه وموازينه ، ونظامه وشرائعه ، وخلقه وسلوكه . .
ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناساً ممن يسمون أنفسهم مسلمين ، بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع ، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام ! وليس المجتمع الإسلامي هو الذي يبتدع لنفسه إسلاماً من عند نفسه - غير ما قرره الله سبحانه ، وفصله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويسميه مثلاً الإسلام المتطور !
و المجتمع الجاهلي قد يتمثل في صور شتى - كلها جاهلية - :
قد يتمثل في صورة مجتمع ينكر وجود الله تعالى ، ويفسر التاريخ تفسيراً مادياً جدلياً ، ويطبق ما يسميه الاشتراكية العالمية نظاماً .
وقد يتمثل في مجتمع لا ينكر وجود الله تعالى ، ولكن يجعل له ملكوت السماوات ، ويعزله عن ملكوت الأرض ، فلا يطبق شريعته في نظام الحياة ، ولا يحكم قيمه التي جعلها هو قيماً ثابتة في حياة البشر ، ويبيح للناس أن يعبدوا الله في البيع والكنائس والمساجد ، ولكنه يحرم عليهم أن يطالبوا بتحكيم شريعة الله في حياتهم ، وهو بذلك ينكر أو يعطل ألوهية الله في الأرض ، التي ينص عليها قوله تعالى :
{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } . . [ الزخرف : 84 ] .
ومن ثم لا يكون هذا المجتمع في دين الله الذي يحدده قوله :
{ إن الحكم إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه . . ذلك الدين القيم } . . [ يوسف : 40 ] .
وبذلك يكون مجتمعاً جاهلياً ، ولو أقر بوجود الله سبحانه ولو ترك الناس يقدمون الشعائر لله ، في البيع والكنائس والمساجد .
المجتمع الإسلامي - بصفته تلك - هو وحده المجتمع المتحضر ، والمجتمعات الجاهلية - بكل صورها المتعددة - مجتمعات متخلفة ! ولا بد من إيضاح لهذه الحقيقة الكبيرة .
حين تكون الحاكمية العليا في مجتمع لله وحده - متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية - تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً من العبودية للبشر . . وتكون هذه هي الحضارة الإنسانية لأن حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان ، ومن الكرامة المطلقة لكل فرد في المجتمع . ولا حرية - في الحقيقة - ولا كرامة للإنسان - ممثلاً في كل فرد من أفراده - في مجتمع بعضه أرباب يشرعون وبعضه عبيد يطيعون !
ولا بد أن نبادر فنبين أن التشريع لا ينحصر فقط في الأحكام القانونية - كما هو المفهوم الضيق في الأذهان اليوم لكلمة الشريعة - فالتصورات والمناهج ، والقيم والموازين ، والعادات والتقاليد . . كلها تشريع يخضع الأفراد لضغطه . وحين يصنع الناس - بعضهم لبعض - هذه الضغوط ، ويخضع لها البعض الآخر منهم في مجتمع ، لا يكون هذا المجتمع متحرراً ، إنما هو مجتمع بعضه أرباب وبعضه عبيد - كما أسلفنا - وهو - من ثم - مجتمع متخلف . . أو بالمصطلح الإسلامي . . مجتمع جاهلي !
والمجتمع الإسلامي هو وحده المجتمع الذي يهيمن عليه إله واحد ، ويخرج فيه الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . وبذلك يتحررون التحرر الحقيقي الكامل ، الذي ترتكز إليه حضارة الإنسان ، وتتمثل فيه كرامته كما قدرها الله له ، وهو يعلن خلافته في الأرض عنه ، ويعلن كذلك تكريمه في الملأ الأعلى . .
وحين تكون آصرة التجمع الأساسية في مجتمع هي العقيدة والتصور والفكرة ومنهج الحياة ، ويكون هذا كله صادراً من إله واحد ، تتمثل السيادة العليا للبشر ، وليس صادراً من أرباب أرضية تتمثل فيها عبودية البشر للبشر . . يكون ذلك التجمع ممثلاً لأعلى ما في الإنسان من خصائص . . حصائص الروح والفكر . . فأما حين تكون آصرة التجمع في مجتمع هي الجنس واللون والقوم والأرض . . . وما إلى ذلك من الروابط ، فظاهر أن الجنس واللون والقوم والأرض لا تمثل الخصائص العليا للإنسان . . فالإنسان يبقى إنساناً بعد الجنس واللون والقوم والأرض ، ولكنه لا يبقى إنساناً بعد الروح والفكر ! ثم هو يملك - بمحض إرادته الحرة - أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته ، ولكنه لا يملك أن يغير لونه ولا جنسه ، كما إنه لا يملك أن يحدد مولده في قوم ولا في أرض . . فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي هو المجتمع المتحضر . . اما المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف . . أو بالمصطلح الإسلامي . . هو المجتمع الجاهلي !
والمجتمع الإسلامي وحده هو المجتمع الذي تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية ، والذي تعتبر فيه العقيدة هي الجنسية التي تجمع بين الأسود والأبيض والأحمر والأصفر والعربي والرومي والفارسي والحبشي وسائر أجناس الأرض في أمة واححدة ، ربها الله ، وعبوديتها له وحده ، والكرم فيها هو الأتقى ، والكل فيها أنداد يلتقون على أمر شرعه الله لهم ، ولم يشرعه أحد من العباد !
وحين تكون إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في مجتمع ، وتكون الخصائص الإنسانية فيه هي موضع التكريم والاعتبار ، يكون هذا المجتمع متحضراً . . فأما حين تكون المادة - في أية صورة - هي القيمة العليا . . سواء في صورة النظرية كما في التفسير الماركسي للتاريخ ! او في صور الإنتاج الفكري كما في أمريكا وأوربا وسائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي قيمة عليا تهدر في سبيلها القيم والخصائص والإنسانية . . فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متخلفاً . . أو بالمصطلح الإسلامي مجتمعاً جاهلياً !
إن المجتمع المتحضر .. الإسلامي . . لا يحتقر المادة ، لا في صورة النظرية ( باعتبارها هي التي يتألف منها هذا الكون الذي نعيش فيه ونتأثر فيه ونؤثر فيه أيضاً ) ولا في صور الإنتاج المادي . فالإنتاج المادي من مقومات الخلافة في الأرض عن الله ، ولكنه فقط لا يعتبرها هي القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص الإنسان ومقوماته ! . . وتهدر من أجلها حرية الفرد وكرامته . وتهدر فيها قاعدة الأُسرة ومقوماتها ، وتهدر فيها أخلاق المجتمع وحرماته . . إلى آخر ما تهدره المجتمعات الجاهلية من القيم العليا والفضائل والحرمات لتحقق الوفرة في الإنتاج المادي !
وحين تكون القيم الإنسانية و الأخلاق الإنسانية التي تقوم عليها ، هي السائدة في مجتمع ، يكون هذا المجتمع متحضراً . والقيم الإنسانية والأخلاق الإنسانية ليست مسألة غامضة مائعة وليست كذلك قيماً متطورة متغيرة متبدلة ، لا تستقر على حال ولا ترجع إلى أصل ، كما يزعم التفسير المادي للتاريخ ، وكا تزعم الاشتراكية العلمية !
إنها القيم والأخلاق التي تنمي في الإنسان خصائص الإنسان التي يتفرد بها دون الحيوان ، والتي يغلب فيه هذا الجانب الذي يميزه ويعزوه عن الحيوان ، وليست هي القيم والأخلاق التي تنمي فيه وتغلب الجوانب التي يشترك فيها مع الحيوان .
وحين توضع المسألة هذا الوضع يبرز فيها خط فاصل وحاسم وثابت لا يقبل عملية التمييع المستمرة التي يحاولها التطوريون ! والإشتراكيون العلميون !
عندئذ لا يكون اصطلاح البيئة وعرفها هو الذي يحدد القيم الأخلاقية ، إنما يكون وراء اختلاف البيئة ميزان ثابت . . عندئذ لا يكون هناك قيم وأخلاق زراعية وأخرى صناعية ! ولا قيم وأخلاق رأسمالية وأخرى اشتراكية ، ولا قيم وأخلاق برجوازية وأخرى صعلوكية ! ولا تكون هناك التغيرات السطحية والشكلية . . إنما تكون هناك - من وراء ذلك كله - قيم وأخلاق إنسانية وقيم وأخلاق حيوانية - إذا صح هذا التعبير ! - أو بالمصطلح الإسلامي : قيم وأخلاق إسلامية وقيم وأخلاق جاهلية .
إن الإسلام يقرر قيمه وأخلاقه هذه الإنسانية - أي التي تنمى في الإنسان الجوانب التي تفرقه وتميزه عن الحيوان - ويمضي غي إنشائها وتثبيتها وصيانتها في كل المجتمعات التي يهيمن عليها سواء كانت هذه المجتمعات في طور الزراعة أم في طور الصناعة ، وسواء كانت مجتمعات بدوية تعيش على الرعى أو مجتمعات حضرية مستقرة ، وسواء كانت هذه المجتمعات فقيرة أو غنية . . إنه يرتقى صعداً بالخصائص الإنسانية ، ويحرسها من انكسة إلى الحيوانية . . لأن الخط الصاعد في القيم والاعتبارات يمضي من الدرك الحيواني إلى المرتفع الإنساني . . فإذا انتكس هذا الخط - مع حضارة المادة - فلن يكون ذلك حضارة ! إنما هو التخلف أو هو الجاهلية !
وحين تكون الأسرة هي قاعدة المجتمع . وتقوم هذه الأسرة على أساس التخصص بين الزوجين في العمل . وتكون رعاية الجيل الناشئ هي أهم وظائف الأسرة . . يكون هذا المجتمع متحضراً . . ذلك أن الأسرة على هذا النحو - في ظل المنهج الإسلامي - تكون هي البيئة التي تنشأ وتنمى فيها الأخلاق والقيم الإنسانية التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة ، ممثلة في الجيل الناشى ، والتي يستحيل أن تنشأ في وحدة أخرى غير وحدة الأسرة ، فأما حين تكون العلاقات الجنسية ( الحرة كما يسمونها ) والنسل ( غير الشرعي ) هي قاعدة المجتمع . . حين تقوم العلاقات بين الجنسين على أساس الهوى والنزوة والانفعال ، لا على أساس الواجب والتخصص الوظيفي في الأسرة . . حين تصبح وظيفة المرأة هي الزينة والغواية والفتنة . . وحين تتخلى المرأة عن وظيفتها الأساسية في رعاية الجيل الجديد ، وتؤثر هي - أو يؤثر لها المجتمع - أن تكون مضيفة في فندق أو سفينة او طائرة ! . . حين تنفق طاقتها في الإنتاج المادي و صناعة الأدوات ولا تنفقها في صناعة الإنسانية ! لأن الإنتاج المادي يومئذ أغلى وأعز وأكرم من الإنتاج الإنساني ، عندئذ يكون هنا هو التخلف الحضاري بالقياس الإنساني . . أو تكون هي الجاهلية بالمصطلح الإسلامي !
وقضية الأسرة والعلاقات بين الجنسين قضية حاسمة في تحديد صفة المجتمع . . متخلف أم متحضر ، جاهلي أم إسلامي ! . . والمجتمعات التي تسود فيها القيم والأخلاق والنزعات الحيوانية في هذه العلاقة لا يمكن أن تكون مجتمعات متحضرة ، مهما تبلغ من التفوق الصناعي والاقتصادي والعلمي ! إن هذا المقياس لا يخطئ في قياس مدى التقدم الإنساني . .
وفي المجتمعات الجاهلية الحديثة ينحسر المفموم الأخلاقي ؛ بحيث يتخلى عن كل ما له علاقة بالتميز الإنساني عن الطابع الحيواني ! ففي هذه المجتمعات لا تعتبر العلاقات الجنسية غير الشرعية - ولا حتى العلاقات الجنسية الشاذة - رذيلة أخلاقية . . إن المفهوم الأخلاقي يكاد ينحصر في المعاملات الاقتصادية - والسياسية أحياناً في حدود مصلحة الدولة - ففضيحة كريستين كيلر وبروفيمو الوزير الإنجليزي - مثلاً - لم تكن في عرف المجتمع الإنجليزي فضيحة بسبب جانبها الجنسي . . إنما كانت فضيحة لأن كرستين كيلر كانت صديقة كذلك للملحق البحري الروسي . ومن هنا يكون هناك خطر على أسرار الدولة في علاقة الوزير بهذه الفتاة ! وكذلك لأنه افتضح كذبه على البرلمان الإنجليزي ! والفضائح المماثلة في مجلس الشيوخ الأمريكي ، وفضائح الجواسيس والموظفين الإنجليز والأمريكان الذين هربوا إلى روسيا . إنها ليست فضائح بسبب شذوذهم الجنسي ! ولكن بسبب الخطر على أسرار الدولة !
والكتاب والصحفيون والروائيون في المجتمعات الجاهلية هنا وهناك يقولونها صريحة للفتيات والزوجات : إن الاتصالات ( الحرة ) ليست رذائل أخلاقية . الرذيلة الأخلاقية أن يخدع الفتى رفيقته أو تخذع الفتاة رفيقها ولا تخلص له الود ، بل الرذيلة أن تحافظ الزوجة على عفتها إذا كانت شهوة الحب لزوجها قد خمدت ! والفضيلة أن تبحث لها عن صديق تعطيه جسدها بأمانة ! . . عشرات من القصص هذا محورها ! ومئات التوجيهات الإخبارية والرسوم الكايكاتورية والنكت والفاكاهات هذه إيحاءاتها . .
مثل هذه المجتمعات مجتمعات متخلفة . . غير متحضرة . . من وجهة نظر الإنسان وبمقياس خط التقدم الإنساني . .
إن خط التقدم الإنساني يسير في اتجاه الضبط للنزوات الحيوانية ، وحصرها في نطاق الأسرة على أساس الواجب لتؤدى بذلك وظيفة إنسانية ليست اللذة غايتها ، وإنما هي إعداد جيل إنساني يخلف الجيل الحاضر في ميراث الحضارة الإنسانية التي يميزها بروز الخصائص الإنسانية . . ولا يمكن إعداد جيل يترقى في خصائص الإنسان ، ويبتعد عن خصائص الحيوان ، إلا في محضن أسرة محوطة بضمانات الأمن والاستقرار العاطفي ، وقائمة على أساس الواجب الذي لا يتأرجح مع الانفعالات الطارئة . وفي المجتمع الذي تنشئ تلك التوجيهات والإيحاءات الخبيثة المسمومة ، والذي ينحسر فيه المفهوم الأخلاقي ، فيتخلى عن كل آداب الجنس ، لا يمكن أن يقوم ذلك المحضن الإنساني . .
من اجل ذلك كله تكون القيم والأخلاق والإيحاءات والضمانات الإسلامية هي اللائقة بالإنسان . ويكون الإسلام هو الحضارة ويكون المجتمع الإسلامي هو المجتمع المتحضر . . بذلك المقياس الثابت الذي لا يتميع أو لا يتطور .
وأخيراً فإنه حين يقوم الإنسان بالخلافة عن الله في أرضه على وجهها الصحيح : بأن يخلص عبوديته لله ويخلص من العبودية لغيره ، وأن يحقق منهج الله وحده ويرفض الاعتراف بشرعية منهج غيره ، وأن يحكم شريعة الله وحدها في حياته كلها وينكر تحكيم شريعة سواها ، وأن يعيش بالقيم والأخلاق التي قررها الله له ويسقط القيم والأخلاق المدعاة . ثم بأن يتعرف بعد ذلك كله إلى النواميس الكونية التي أودعها الله في هذا الكون المادي ، ويستخدمها في ترقية الحياة ، وفي استنباط خامات الأرض وأرزاقها وأقواتها التي أودعها الله إياها ، وجعل تلك النواميس الكونية أختامها ، ومنح الإنسان القدرة على فض هذه الأختام بالقدر الذي يلزم له في الخلافة . . أي حين ينهض بالخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه ، ويصبح وهو يفجر ينابيع الرزق ، ويصنع المادة الخامة ، ويقيم الصناعات المتنوعة ، ويستخدم ما تتيحه له كل الخبرات الفنية التي حصل عليها الإنسان في تاريخه كله .. حين يصبح وهو يصنع هذا كله ربانياً يقوم بالخلافة عن الله على هذا النحو - عبادة الله . يومئذ يكون هذا الإنسان كامل الحضارة ، ويكون هذا المجتمع قد بلغ قمة الحضارة . . فأما الإبداع المادي - وحده - فلا يسمى في الإسلام حضارة . . فقد يكون وتكون معه الجاهلية . . وقد ذكر الله من هذا الإبداع المادي في معرض وضع الجاهلية نماذج :
{ أتبنون بكل ريع آية تعبثون ؟ وتتخذون مصانع تخلدون ! وإذا بطشتم بطشتم جبارين ، فاتقوا الله وأطيعون ، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين ، وجنات وعيون ، إني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم } . [ الشعراء : 128 - 135 ] .
{ أتتركون فيما ها هنا آمنين ؟ في جنات وعيون ، وزروع ونخل طلعها هضيم ، وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين ؟ فاتقوا الله وأطيعون ، ولا تطيعوا أمر المسرفين ، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون } . [ الشعراء : 146 - 152 ] .
{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ، فإذا هم مبلسون . فقطع دابر الذين ظلموا ، والحمد لله رب العالمين } . . . [ الأنعام : 44 - 45 ] .
{ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس } . [ يونس : 24 ] .
ولكن الإسلام - كما أسلفنا - لا يحتقر المادة ، ولا يحتقرالإبداع المادي ، إنما هو يجعل هذا اللون من التقدم - في ظل منهج الله - نعمة من نعم الله على عباده ، يبشرهم به جزاء على طاعته :
{ فقلت : استغفروا ربكم ، إنه كان غفارا ، يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } . . . [ نوح : 10 - 12 ] .
{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } . . . [ الأعراف : 96 ] .
المهم هو القاعدة التي يقوم عليها التقدم الصناعي ، والقيم التي تسود المجتمع ، والتي يتألف من مجموعها الحضارة الإنسانية . .
وبعد . . فإن قاعدة انطلاق المجتمع الإسلامي ، وطبيعة تكوينه العضوي ، تجعلان منه مجتمعاً فريداً لا تنطبق عليه أية من النظريات التي تفسر قيام المجتمعات الجاهلية وطبيعة تكوينها العضوي . . المجتمع الإسلامي وليد الحركة ، والحركة فيه مستمرة ، وهي التي تعين أقدار الأشخاص فيه وقيمهم ، ومن ثم تحدد وظائفهم فيه ومراكزهم .
والحركة التي يتولد عنها هذا المجتمع ابتداء حركة آتية من خارج النطاق الأرضي ، ومن خارج المحيط البشري . . إنها تمثل في عقيدة آتية من الله للبشر ، تنشئ لهم تصوراً خاصاً للوجود والحياة والتاريخ والقيم والغايات ، وتحدد لهم منهجاً للعمل يترجم هذا التصور . . الدفعة الأولى التي تطلق الحركة ليست منبثقة من نفوس الناس ولا من مادة الكون . . إنها - كما قلنا - آتية لهم من خارج النطاق الأرضي ، ومن خارج المحيط البشري . . وهذا هو المميز الأول لطبيعة المجتمع الإسلامي وتركيبه .
إنه ينطلق من عنصر خارج عن محيط الإنسان وعن محيط الكون المادي .
وبهذا العنصر القدري الغيبي الذي لم يكن أحد من البشر يتوقعه أو يحسب حسابه ، ودون أن يكون للإنسان يد فيه - في ابتداء الأمر - تبدأ أولى خطوات الحركة في قيام المجتمع الإسلامي ، ويبدأ معها عمل الإنسان أيضاً . إنسان مؤمن بهذه العقيدة الآتية له من ذلك المصدر الغيبي ، الجارية بقدر الله وحده . وحين يؤمن هذا الإنسان الواحد بهذه العقيدة يبدأ وجود المجتمع الإسلامي ( حكماً ) . . إن الإنسان الواحد لن يتلقى هذه العقيدة وينطوي على نفسه . . إنه سينطلق بها . . هذه طبيعتها . . طبيعة الحركة الحية . . إن القوة العليا التي دفعت بها إلى هذا القلب تعلم أنها ستتجاوزه حتماً ! . . إن الدفعة الحية التي وصلت بها هذه العقيدة إلى هذا القلب ستمضي في طريقها قدماً .
وحين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثة نفر ، فإن هذه العقيدة ذاتها تقول لهم : أنتم الآن مجتمع ، مجتمع إسلامي مستقل ، منفصل عن المجتمع الجاهلي الذي لا يدين لهذه العقيدة ، ولا تسود فيه قيمتها الأساسية - القيم التي أسلفنا الإشارة إليها - وهنا يكون المجتمع الإسلامي قد وجد ( فعلاً ) !
والثلاثة يصبحون عشرة ، والعشرة يصبحون مائة ، والمائة ألفاً ، والألف يصبحون إثني عشر ألفاً . . ويبرز ويتقرر وجود المجتمع الإسلامي !
وفي الطريق تكون المعركة قد قامت بين المجتمع الوليد الذي انفصل بعقيدته وتصوره ، وانفصل بقيمه واعتباراته ، وانفصل بوجوده وكونيته ، عن المجتمع الجاهلي - الذي أخذ منه أفراده - وتكون الحركة من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوجود البارز المستقل قد ميزت كل فرد من أفراد هذا المجتمع ، وأعطته وزنه ومكانه في هذا المجتمع - حسب الميزان والاعتبار الإسلامي - ويكن وزنه هذا متعرفاً له به من المجمتع دون أن يزكي نفسه أو يعلن عنه بل إن عقيدته وقيمه السائدة في نفسه وفي مجتمعه لتضغط عليه يومئذ ليوراي نفسه عن الأنظار المتطلعة إليه في البيئة !
ولكن الحركة التي هي طابع العقيدة الإسلامية ، وطابع هذا المجتمع الذي انبثق منها ، لا تدع أحداً يتوارى ! إن كل فرد من أفراد هذا المجتمع لا بد أن يتحرك ! الحركة في عقيدته ، والحركة في دمه ، والحركة في مجتمعه ، وفي تكوين هذا المجتمع العضوي . . إن الجاهلية من حوله ، وبقية من رواسبها في نفسه وفي نفوس من حوله ، المعركة مستمرة ، والجهاد ماض إلى يوم القيامة .
على إيقاعات الحركة ، وفي أثناء الحركة ، يتحدد وضع كل فرد في هذا المجتمع ، وتحدد وظيفته ، ويتم التكوين العضوي لهذا المجتمع بالتناسق بين مجموعة أفراده ومجموعة وظائفه .
هذه النشأة ، وهذا التكوين ، خاصيتان من خصائص المجتمع الإسلامي تميزانه ، تميزان وجوده وتركيبه ، وتميزان طابعه وشكله ، وتميزان نظامه والإجراءات التنفيذية لهذا النظام أيضاً ، وتجعلان هذه الملامح كلها مستقلة ، ولا تعالج بمفهومات اجتماعبية أجنبية عنها ، ولا تدرس وفق منهج غريب عن طبيعتها ، ولا تنفذ بإجراءات مستمدة من نظام آخر !
إن المجتمع الإسلامي - كما يبدو من تعرفينا المستقل للحضارة - ليس مجرد صورة تاريخية ، يبحث عنها في ذكريات الماضي ، إنما هو طلبة الحاضر وأمل المستقبل . إنه هدف يمكن أن تستشرفه البشرية كلها اليوم وغذاً ، لترتفع به من وهدة الجاهلية التي تتردى فيها ، سواء في هذه الجاهلية الأمم المتقدمة صناعياً واقتصادياً والأمم المتخلفة أيضاً.
إن تلك القيم التي أشرنا إليها إجمالاً هي قيم الإنسان ، لم تبلغها الإنسانية إلا في فترة الحضارة الإسلامية . ( ويجب أن ننبه إلى ما نعنيه بمصطلح الحضارة الإسلامية . . إنها الحضارة التي توافرت فيها تلك القيم ، وليست هي كل تقدم صناعي أو اقتصادي أو علمي مع تخلف القيم عنها ) .
وهذه القيم ليست مثالية خيالية إنما هي قيم واقعية عملية ، يمكن تحقيقها بالجهد البشري - في ظل المفهومات الإسلامية الصحيحة - ، يمكن تحقيقها في كل بيئة بغض النظر عن نوع الحياة السائدة فيها ، وعن تقدمها الصناعي والاقتصادي والعلمي . . فهي لا تعارض - بل تشجع بالمنطق والعقيدي ذاته - التقدم في كافة حقوق الخلافة ، ولكنها في الوقت ذاته لا تقف مكتوفة اليدين في البلاد التي لم تتقدم في هذه الحقول بعد . إن الحضارة يمكن أن تقوم في كل مكان وفي كل بيئة . . تقوم بهذه القيم . أما أشكالها المادية التي تتخذها فلا حد لها ، لأنها في كل بيئة تستخدم المقدرات الموجودة بها فعلاً وتنميها .
المجتمع الإسلامي إذن - من ناحية شكله وحجمه ونوع الحياة السائدة فيه - ليس صورة تاريخية ثابتة ، لكن وجوده وحضارته يرتكنان إلى قيم تاريخية ثابتة . . وحين نقول : تاريخية لا نعني إلا أن هذه القيم قد عرفت في تاريخ معين . . وإلا فهي ليست من صنع التاريخ ، ولا علاقة لها بالزمن في طبيعتها . . إنها حقيقة جاءت إلى البشرية من مصدر رباني . . من وراء الواقع البشري . ومن وراء الوجود المادي أيضاً .
والحضارة الإسلامية يمكن أن تتخذ أشكالاً متنوعة في تركيبها المادي والتشكيلي ، ولكن الأصول والقيم التي تقوم عليها ثابتة ، لأنها هي مقومات هذه الحضارة : ( العبودية لله وحده . والتجمع على آصرة العقيدة فيه . واستعلاء إنسانية الإنسان على المادة . وسيادة القيم الإنسانية التي تنمي إنسانية الإنسان لا حيوانيته . . وحرمة الأسرة . والخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه . . وتحكيم منهج الله وشريعته وحدها في شؤون هذه الخلافة ) . .
إن أشكال الحضارة الإسلامية التي تقوم على هذه الأسس الثابتة ، تتأثر بدرجة التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي ، لأنها تستخدم الموجود منها فعلاً في كل بيئة . . ومن ثم لا بد أن تختلف أشكالها . . لا بد أن تختلف لتضمن المرونة الكافية لدخول كافة البيئات والمستويات في الإطار الإسلامي ، والتكليف بالقيم والمقومات الإسلامية . . وهذه المرونة - في الأشكال الخارجية للحضارة - ليست مفروضة على العقيدة الإسلامية التي تنبثق منها تلك الحضارة إنما هي من طبيعتها . ولكن المرونة ليست هي التمييع . . والفرق بينهما بينهما بعيد جداً .
لقد كان الإسلام ينشئ الحضارة في اواسط أفريقية بين العراة . . لأنه بمجرد وجوده هناك تكتسي الأجسام العارية ويدخل الناس في حضارة اللباس التي يتضمنها التوجيه الإسلامي المباشر ، ويبدأ الناس في الخروج كذلك من الخمول البليد إلى نشاط العمل الموجه لاستغلال كنوز الكون المادي ، ويخرجون كذلك من طور القبيلة - أو العشيرة - إلى طور الأمة ، وينتقلون من عبادة الطوطم المنعزلة إلى عبادة رب العالمين . . فما هي الحضارة إن لم تكن هي هذا ؟ . . إنها حضارة هذه البيئة ، التي تعتمد على إمكانياتها القائمة فعلاً . . فأما حين يدخل الإسلام في بيئة أخرى فإنه ينشئ - بقيمه الثابتة - شكلاً آخر من أشكال الحضارة يستخدم فيه موجودات هذه البيئة وإمكانياتها الفعلية وينميها .
وهكذا لا يتوقف قيام الحضارة - بطريقة الإسلام ومنهجه - على درجة معينة من التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي . وإن كانت الحضارة حين تقوم تستخدم هذا التقدم - عند وجوده - وتدفعه إلى الأمام دفعاً ، وترفع أهدافه . كما إنها تنشئه إنشاءً حين لا يكون ، وتكفل نموه واطراده . . ولكنها تظل في كل حال قائمة على أصولها المستقلة . ويبقى للمجتمع الإسلامي طابعه الخاص ، وتركيبه العضوي ، الناشئان عن نقطة انطلاقه الأولى ، التي يتميز بها من كل مجتمعات الجاهلية . .
{ صبغة الله من أحسن من الله صبغة } . . . [ البقرة : 138 ] .
أشكر لكم حسن متابعة المواضيع
أخيكم/