" الذي ضربك يحبك " .كنت أشتاط غضبا كلّما أخرجت جدتي هذه المقولة من جعبتها وهي ترى إمتعاضي وحتى بكائي - وكنت لا أزال طفلا يافعا - من تأديب وضرب مبرح أو حتى نقد جراء سلوك أو تصرف من تصرفاتي لم يستسغه الكبار فوصموه بالطائش .
وكنت وقتها أرى في قولها ذاك مجرد ديبلوماسية ومجاملة في غير محلها لرفع معنوياتي المتدهورة في مثل تلك اللحظات الحرجة بل أتذكر وقد أصبحت أكبر سنا بقليل أنني غالبا ما إعتبرت كلامها الغير منطقي ذاك دليل على أنها " خرفت" ويجب أن يرفع عنها القلم بالضبط كمعلمي الذي لا يكف عن ترديد : "إسمع لمبكيك ولا تسمع لمضحكك ".
كنت أرى في كلامهم ذاك مجرد إستغباء من الكبار للصغار يمكنهم من ممارسة جبروتهم وتبريره .
والحقيقة أن النفس البشرية تميل لمن يكيلها مدحا حتى وإن كان من غير وجه حق إرضاءا لغرورها اللامتناهي فتراها تنتشي وترقص بهجة وغبطة وعلى النقيض من ذلك تأنف الإنتقاد حتى وإن كان بوجه حق إستجابة لعزة نفس وهمية وحيادا عن الإقرار بالخطأ وحتى الإعوجاج فنبوأ المطبل لهفواتنا مكانا في زمرة المحبين لنا
ونجعل للمصحح لها منزلة في خانة الأعداء الذين تجب محاربتهم .
ولعل الأمر يبدو أكثر قسوة وخطورة عندما يصبح مثل هذا التصنيف قاعدة جماعية فيكفي مثلا الصحفي أو الكاتب أن يحاول تشخيص جراح المجتمع والأمة بشجاعة حتى ينعت بالعمالة ..تحركه أياد خفية ....
بينما توزع نياشين الوطنية على من يغطيها دون أن يعالجها
وهذا الأخيرغالبا ما قيل عنه : إنه يعرف من أين تؤكل الكتف ؟
ولا أرى كتفا أكلت غير كتف المجتمع وعضده أيضا !!
ما مدى صحة المقولة في نظرك؟ ولماذا ؟