في سبات عميق!!
وفي جوف جهنم أرواحهم
تتلظّى نيران كلماتهم، تلتهم آخر المفردات، تترك
الأبجدية عارية
مشوّهة، لا حراك فيها ولا حياة.
في سبات عميق!!
وفي عمق الذهول
يتنفسون صمتهم، يغزلون بأيديهم خيوط الموت! وعلى عتبات
بيوتهم -المشرعة
على الخواء -يراقبون أمّتهم تتناثر كالغبار، يراقبون موت
الجرأة فيهم
دون احتضار.
في سبات عميق!!
وساكن بحر أعينهم المقفلة على عتمة موج
تغلّفه الظلمات، في أتون الذل بلا
جلود يراقبون العمر يجري بهم وهم
موات.
جراحهم النازفة تعفّنت، وأزكم أنوفهم صديدها، يظنون الذبح في
غيرهم! والذبح
فيهم وبأيديهم، مغيّبون عن أنفسهم، مغيّبون عن كل ما
يحييهم! كل الذين
يشاهدون عباءة القدس تتمزّق بالأيدي النجسة ولا
يمدّون لها يد الطهر تلملم
عفّتها، وتحفظ بالدم شرف مدينة نسجت ترابها
من رفات الأتقياء، واغتسلت
برذاذ النور حين احتضنت فجر الأنبياء.
هم
في سبات! كل الذين يتناقلون أخبار قدسنا بألسنة رخوة! وقلوب لا تملك ثمن
النخوة! وتتبلّد حواسهم على أسوارها وهي تطل على جراحها من شرفات الذبول.
القدس
زهرة الروح، وفراشات الانتظار، ترابها دمنا! لحم صغارنا وقد مزّقه
رصاص
الجنود، دموع أمهاتنا وهنّ يحضنّ الأجساد التي اشترت بدفئها أسوار
القدس
ومواقع السجود، جادوا بالدم وفتات الجسد، وقاوموا على قلّة السلاح
غير
آبهين بالجراح.
القدس تاريخنا! إيماءة عمر وهو يواجه بالحمد بهاء
المدينة الوقور، القدس
صلاة صلاح الدين وهو يعانق جدران الأقصى الطهور.
والقدس نور يطل بالشهداء
من عتمة القبور. فكيف نغادرها وهي فينا؟!
وكيف نخذلها إذ تنادينا بصوت
فاطمة والبتول؟!
هم يريدون الهيكل على
أنقاض الأقصى! والأقصى تراتيل الأنبياء وهم يزرعون
بالبركة بوابة
السماء! إليه المسرى، وإليه تحجّ قلوب المكلومين بالدعاء.
أنفاق تحاك
-من تحته- بخرائط مسمومة، واقتحامات من قبل مستوطنين وحاخامات
يدنّسون
صفحته، ويلوّثون فضاءه والباحات. يطرد من حضنه رجال أحاطوه بشرايين
القلب يغذيها الدعاء! واعتصموا بحبل الله لا تفريط ولا ردّة! لا تنازل عن
أرض
الإسراء مهما طالت الشدّة! وعلى أكفّهم أبابيل المقاومة تتوعّد
الغاصبين
بالفناء!
الأرض المبارك حولها لها رجال دونها دمهم، فيا سامعي إن كنت
منهم شدّ
الرحال إلى الجهاد! بالدم والكلمة، برص صفوف الرافضين ذل
الصمت والتطبيع
الآثم، بالحجارة في مواجهة من يعتقل إرادتك، برصاصك حين
يكبّل رصاصهم
خطوتك.
الأقصى لن تحميه الدموع وإن جادت بها القلوب
المتفطّرة، والأقصى لن تحميه
الخطب وإن طال لهيبها المسامع! عدوّنا
يهوّدها على مرأى منا، يسلبها
هويتها، وينسب إليه شرفها! يكسّر حروف
القرآن في أفواه المآذن، يشرّد
أهلها، يهجّر الراكعين على ثراها وقد
آثروا على شهد العدو جمرها.
الأقصى ينادي فهل من مجيب؟ وأي عذر للذي
ينتظر انهيار جدرانه ليتحرّك؟! أية
كلمات ستسعفه ذاك الذي يشاهد وجه
المدينة يتشوّه بحملة التوراة المحرّفة،
وينتظر –بالبلادة- اكتمال
الصورة؟
حين ارتعش الموت في غزة -التي أبت أن تساوم على ضفائر حرائرها
وقد طوّقت
جياد المجاهدين- امتلأت شوارع العرب بالثائرين وقد احترقوا
بمشاهد الذبح
والإبادة الجماعية.
وارتفعت أصوات صادقة رغم حيرتها
وقلة حيلتها طالبة الجهاد، فتساقط مطر
النخوة -من جديد- في أرض العرب!
صراخ
في كل مكان! صراخ وهتاف وتبرعات عينية ومالية ودعاء ودماء، لأهل غزة
الشرفاء!
والحكومات العربية تتراوح بين الصدق والرياء، بين النخوة العربية
وخيانة
الأشقاء، بين الجرأة في الله والجرأة على الله، غير أن الجموع التي
كانت
تلتهب بالغضب المقهور حناجرها أنذرت بالصحوة من راقبها! لعلها تبعث
إرادة
المسلمين من مرقدها، ولعلها تنفض غبار الذل عنها!!
الأقصى مفتاح
الصحوة! وحجارته برهانها، إما صحوة بعث تحييها، أو صحوة موت
تبقيها، في
سبات عميق.