أخي الحبيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- نادى منادي الإيمان فهل من ملبي
أخي الحبيب: يهل علينا شهر كريم مبارك فيه من خصال الخير والمكارم ما ليس في غيره فهو فرصة عظيمة سانحة ومنحة كريمة من رب كريم لطيف بعبادة يرضى لهم الإيمان والطاعة ولايرضي لهم الكفر والعصيان . شهر من وفقه الله لصيامه وقيامه رزق التقوى وهي أغلى ما يحرص عليه المؤمنون, فان التقوى هي رأس مال المؤمنين وهي أساس الفلاح في الدنيا والآخرة, فبالتقوى تكون السعادة و بها يكون الأمن وبها ينمو الحب وتزداد المودة وبها يكون الرضا وبها يكتب الله النصر للمؤمنين ويعدهم بالتمكين ثم بها يكون موعدهم الجنة والرضوان {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} [مريم: 63] شهر رمضان شهر الفرقان, فيه يفترق الناس إلى صنفين صنف أدركه رمضان فخاب وخسر وصنف فاز بالجنان كما وعد الرحمن.
أخي الحبيب: فلنجعل رمضان ميدان تنافس وسباق وميدان جهاد وإصلاح وميدان توبة وإخبات وميدان صدق وإخلاص. قال تعالي: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة: 177]. اللهم اجعلنا من الصادقين ومن المتقين بكرمك وجودك يارب العالمين.
أخي الحبيب: هل خلوت بنفسك فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟ وهل حاولتً أن تعد سيئاتك كما تعد حسناتك؟ بل هل تأملتً طاعاتك التي تفتخر بذكرها أهي خالصة لوجه الله تعالى, خالية من الرياء والسمعة وحظ النفس؟! فإن وجدت كثيراً منها مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس فكيف تصبر على هذه الحال، وطريقك محفوف بالمكارة والأخطار؟! وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار؟ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 18 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19،18]. وقال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [الزمر: 54]. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ". وذكر الإمام أحمد عن وهب قال: " مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلوا فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجعل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب ". فهل من مشمر إلى رمضان؟
2- بين يدي الواقع (كيف أقبل علينا رمضان؟)
يقبل علينا رمضان هذا العام وقد مرت على الأمة أحداث جسام غيرت الموازين والأعراف والقوى، وازدادت فيها التحديات بعد أن كشر الأعداء عن أنيابهم وشحذوا هممهم، واعدوا العدة لمواجهة فاصلة من خلال محاولات تغييب كلمة الحق عن الساحة بعد كيد عظيم، مازال يحاك وتنسج خيوطه بالليل والنهار من قبل الوسائل الإعلامية المأجورة وبعد وتغييب أهل الحق وراء أسوار السجون والمعتقلات ومنعهم من الحركة والحديث والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية. فها هو الحال في لبنان و العراق والسودان وأفغانستان, بل وفي كل بلد مسلم كانت له هناك بصمات من الخيانة والتآمر وزرع الفتن والدسائس. وهنا تأت كلمات الإمام البنا وكأنه يقرأ واقع هذه الأمة شارحا حالها وواصفا لها العلاج الناجع, فتراه يقول في إحدى مقالاته تحت عنوان" أمة في ميدان الجهاد ".
ليست أمة أولى من أمم الشرق الإسلامي بأن تكون في ميدان الجهاد فقد دانت الآونة، وأزفت الآزفة، ولا ندري لعل الساعة تكون قريبًا فقد جاء أشراطها، وهذه نذرها تتوالى سراعًا، وتمر تباعًا، وهي فرصة قد تكون لنا وقد تكون علينا، فهي- إن انتهزناها وأحكمنا الانتفاع بها- لنا، نغسل فيها عار العبودية، ونتنسم نسيم الحرية، ونرد بها حقًا مغصوبًا ومجدًا مسلوبًا، وهي- إن بغتتنا على غرة، وأخذتنا ونحن في غفلة- علينا، تعركنا بثفالها، ويكون علينا غرمها ولغيرنا غنمها.
فأمم الشرق في مركز حرج دقيق، وليس أولى منها باليقظة والتبصر والحذر والاستعداد، فكل أمة من أمم الشرق أمة مجاهدة، ولقد زعموا أننا كذلك فهل هذا صحيح؟
أستطيع أن أتصور المجاهد شخصًا قد أعدَّ عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه، وجوانب قلبه فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدم الاستعداد أبدًا إن دُعِيَ أجاب وإن نُودِيَ لبى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجدُّه ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وأرادته يُجاهد في سبيلها تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة، وهمة عالية وغاية بعيدة، ذلك شأن المجاهدين من الأفراد والأمم، فأنت ترى ذلك واضحًا جليًا في الأمة التي أعدت نفسها للجهاد تلحظه في مجالسها، وأنديتها وتراه في أسواقها وشوارعها وتستشعره في مدارسها وبيوتها وتستجليه في شبابها وشيبها ونسائها ورجالها، حتى ليخيل إليك أنَّ كل مكان ميدان، وكل حركة جهاد.
أستطيع أن أتصور هذا لأن الجهاد ثمرة الإدراك يولد الشعور، وينفي الغفلة، والشعور يبعث على الاهتمام واليقظة، والاهتمام يؤدي إلى الجهاد والعمل، ولكل ذلك آثاره ومظاهره. أما المجاهد الذي ينام ملء جفنيه ويأكل ملء ماضغيه، ويضحك ملء شدقيه، ويقضي وقته لاهيًا لاعبًا عابثًَا ماجنًا، فهيهات أن يكون من الفائزين أو يُكتب في عداد المجاهدين.
والأمة التي ترى كل حظها من الجهاد كلمات تُقال أو مقالات تُكتب، ثُمَّ إذا فتشت قلوب القوم وجدتها هواء، وإذا خبرت اهتمامهم بالأمر رأيته هباءً، وانغمسوا في غفلة لاهية ونومة عابثة فمحالهم وأنديتهم ومجامعهم وبيوتهم لا ترى فيها إلا لهوًا ومجونًا وعبثًا ودعابةً ولعبًا وتسليةً وقتلاً للوقت في غير فائدة كل هَمِّ أحدهم متعة فانية أو لذة زائلة أو ساعة مرحة أو نكتة مستملحة فهذه الأمة الهزل أقرب منها إلى الجد بل لا حظَّ لها في الجد أبدًا.
فأين نحن الآن من ميدان الجهاد ؟ يا قومنا اسلكوا سبيلاً غير هذه أو فدعوا علم الجهاد ; {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54].
3- أهداف يمكن أن تتحقق
- الإرتباط بالمسجد كوسيلة فاعلة لزيادة الإيمان والتواصل مع المجتمع.
- زيادة الإرتباط بالقرآن الكريم وحسن التدبر.
- التأكيد على قيمة قيام الليل والإستغفار وحسن الإقبال على الله ومعايشة حقيقة العبادات.
- معايشة روح الأخوة الحقيقية والحب في الله بين النّاس.
- حسن العشرة مع الزوجة والأولاد للوصول إلى الصورة الحقيقية للبيت المسلم السعيد والقدوة.
- التحقق بصفات المؤمنين ( الصبر- الهمة العالية- المجاهدة - المحاسبة - المراقبة - الخوف من الله).
- رفع روح الجهاد وتحقق مظاهرة في حياتنا والحرص على الدعاء للإسلام والمسلمين بالنصر والتمكين.
- تعميق الروابط الأسرية وصلة الأرحام والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4 - برنامج عملي في شهر رمضان
- برنامج أسبوعي يجمع بين الأهل والأحباب ويتم فيه ما يلي:
- الإلتقاء على القرآن الكريم( تلاوة وتدبر ومراجعة ماتم حفظه ).
- تلاوة الأذكار.
- إفطار جماعي ولو على بسيط الطعام.
- زيارات جماعية لأهل الحي وخاصة الفقراء لنشر روح الحب والتكافل.
- الحرص على اعتكاف العشر الأواخر وترقب ليلة القدر مهما كانت الظروف.
- إعداد ورد محاسبة يشمل أعمال الشهر.
5 - توصيات وواجبات عملية
1- التهيئة النفسية بالإستغفار والتوبة والعزيمة على التغيير للأحسن وإصلاح النفس.
2- استحضار معاني الخشوع والقرب في الصلاة وتدبر معاني القران الكريم وحفظ الجوارح عن الحرام والمعاصي.
3- يفضل إغلاق التلفاز طوال الشهر والإستفادة بالوقت في المكث في المسجد أو التواصل مع الأولاد والأهل في جلسات إيمانية، مع الاكتفاء بمعرفة الأخبار عن طريق الصحف أو الراديو.
4- الحرص على القيام الفردي ولو بركعتين في البيت.
5- الحرص على جلسة الشروق يوميا في المسجد وقراءة المأثورات.
6- معايشة روح الجهاد والبعد عن الإسراف.
7- الحرص على الإنفاق وتعويد الأولاد والزوجة على ذلك.
8- نشر روح التغافر بين الناس والصفح وسلامة الصدر.
9- الإرتقاء الإيماني بالزوجة والأولاد واصطحابهم للتراويح ومجالس العلم وصلاة الجمعة في المسجد.
10- التواصل الفعال مع الجيران وعموم المجتمع.
11- سماع أو إلقاء الكلمات والخواطر بعد الفجر والعصر والتراويح وحضور دروس العلم.
12- جلسات التلاوة في المسجد.
13- استغلال الوقت بعد التراويح في عمل زيارات في المجتمع مع الأهل والأقرباء والزملاء.
14- مراجعة فقه الزكاة والصيام في كتب الفقه.
وكل عام وانتم بخير.
أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بخير.
والله ولي التوفيق.