بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبدالله الأمين، وعلى آله وصحبه أجميعن، أما بعد:
فيقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "تأملت عجباً وهو أن كل شيء نفيس خطير، يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله، فإن العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة، حتى قال الففقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر، لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس".
وقد أحسن القائل في ذلك:
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يُفقر والإقدام قتال
أخي الطالب أختي الطالبة: أكتب لكما هذه المطوية معطرة بالود والإخاء، متمنياً لكما العلم النافع، والعمل الصالح، فالعلم كالبحر المتعذر كيله، والمعادن التي لا ينقطع نيلها، والعمر قصير لا يستوعب ذلك كله، فاشتغلا بالمهم منه، فإنه من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم، وقد قيل:
ما أكثر العلم وما أوسعه *** من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لابد لــه طالبــاً *** محــاولاً فــالتمس أنفعــــه
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "العلم كثير ولن تعيه قلوبكم، ولكن اتبعوا أحسنه، ألم تسمع قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]".
فأكمل العلم الذي تكمل النفس بإدراكه والعلم به، هو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وكتبه وأمره ونهيه، فشرف العلم بحسب شرف معلومه وشدة الحاجة إليه.
قال صالح بن عبدالقدوس رحمه الله تعالى:
وإذا علمت بأنه متفاضل *** فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل
وإذا علمتما هذا فلا سبيل للتوفيق إلا بالإخلاص لله جل جلاله فالعلم عبادة، قال بعض العلماء: "العلم صلاة السر، وعبادة القلب".
وعليه، فإن شرط العبادة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى لقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
فالإخلاص: من أهم الآداب في نفس الطالب أو الطالبة، واحذر داء الجبابرة: الكبر.
فإن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عصي الله به، فالتطاول على المعلم كبرياء، واستنكاف عماً يفيد، وتقصير عن العمل بالعلم، ومن آداب المتعلم في نفسه التحلي برونق العلم، أي: حسن الصمت، والهدي الصالح من دوام السكينة، والوقار، والخشوع والتواضع ولزوم المحجة، بعمارة الظاهرة والباطن، والتخلي عن نواقضها.
فعن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم".
فيجب على الطالب والطالبة أن يجتنبا: اللعب والعبث والتبذل في المجالس بالسخف والضحك والقهقهة وكثرة التنادر وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يستجار من المزح بيسيره ونادره وطريفه، والذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه، وما أوغر منه الصدور وجلب الشر، فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة.
وقد قيل: "من أكثر من شيء عرف به".
قال مسعر بن كدام لابنه:
إني منحتك يـا كدام وصيتــي *** فاسمع لقول أبٍ عليـك شفيق
أما المزاحـة والمـراء فدعــهمـا *** خُلقـان لا أرضــاهما لصديق
إني بلوتهـما فلـم أحمــدهمـا *** لمجــاورٍ جـــــارٍ ولا لرفيــــق
والجهل يزري بالفتى في قومه*** وعروقه في الناس أي عروق
ثم إن عليكما آداباً يجب أن تتعلموها وتعلموا بها، من أهمها ما يلي:
1- الأدب مع المعلم:
- احترامه والتواضع له وتقديره وعدم مقاطعته وحسن مسؤاله وحسن الإصغاء إليه.
- إحسان الظن به.
- عدم مناداته باسمه بل تناديه ب: يا أستاذي أو يا معلمي، أو يا شيخي ونحوه.
حفظ حرمته بعدم غيبته، والتحدث في عرضه، واستنقاصه، والاستهزاء به.
- الاقتداء بصالح أخلاقه، وكريم شمائله.
- الصبر على جفائه والتماس العذر له عند خطئه.
2- الأدب مع الزملاء:
احذرا قرين السوء، فكما أن العرق دساس، فإن أدب السوء دساس، إذ الطبيعة نقالة، والطباع سراقة، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذرا معاشرة من كان كذلك، فإن العطب، والدفع أسهل من الرفع.
وثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
اختارا من الزمالة ما يعين على المطلب، ويقرب إلى الرب، ويوافق على شريف الغرض والقصد.
تقبلا النصح منهم بصدر رحب وأبديا لهم بالأسلوب الأمثل، والكلام الجميل.
ابتعدا من السخرية بهم أو نبذهم أو حسدهم وتذكرا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً} [الحجرات: 11].
أحبا لهم ما تحبان لنفسيكما واكرها لهم ما تكرهانه لكما.
3- الآداب المتعلقة بالفصل:
- المحافظة على نظافته وعدم العبث بمحتوياته أو إتلافها، لأنها وضعت لأجل راحتكما وهي لمن يأتي بعدكما.
- حسن الجلوس والظهور بالمظهر اللائق.
4- الواجبات في المنزل:
- راجعا ماتعلمتماه وما قاله المعلم في نفس اليوم وبادرا بتطبيقه.
- أديا الواجب في يومه لتثبتا فهمكما للدرس، وتجنبا تأجيل عمل اليوم إلى الغد.
- احرصا على النوم مبكراً، لتؤديا يومكما بحيوية، وجد ونشاط.
- يستحسن لكما قراءة الدرس جيداً قبل شرحه، فهذا أدعى لرسوخه في الذهن، واستعيابه كاملاً من المعلم.
5- صيانة العلم:
قال الجرجاني علي بن عبدالعزيز:
يقولـــون لــي فيـــك انقبــاض وإنمـا *** رأوا رجلاً عن موضع الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم *** ومن أكرمتـه عـزة النفس أكرما
ولو أن أهــل العلم صانعوه صـانعــــم *** ولـو عظمـوه في النفـوس لعظما
فالزما وفقكما الله المحافظة على قيمتكما بحفظ دينكما، وعلمكما، وشرف نفسيكما بحكمةٍ ودراية وحسن سياسة.
قال أبو الأسود الدؤلي:
العلم كنز ذخــــر لا نفـــــاذ لــــه *** نعم القرين إذا ما صـاحب صحبا
قد يجمع المرء مالاً ثم يحرمـــه *** عما قليل فيلقـى الـذل والحربا
وجامع العلـم مغبــــوط بــــه أبدا *** ولا يحاذر منـه لافوت والسلبـا
يا جامعاً للعلم نعم الذخر تجمعه*** لا تعدلـن بــــه دراً ولا ذهبــــا
أخي الطالب أختي الطالبة: بدأت حديثي بتعجب ابن الجوزي رحمه الله من أن كل شيء نفسي يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله، ولذا وجد أن العلم لا يحصل إلا بالتعب والسهر.
وأختم بتعجب آخر، ذلكم أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، وهو في مقام النبوة، رضي الله أن يكون تابعاً لمعلم في سبيل تحصيل العلم!!، {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف: 66].
أفلا تكونا مقتديين بنبي الله في معرفة فضل العلم وطلبه، وفي معرفة فضل المعلم واحترامه؟!
أخي الطالب أختي الطالبة: هذا جهد محب لكما الخير، فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله الهادي إلى سواء ال سبيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.