الرياض ـ (لها أون لاين): يعاني
كثير من الأسر في فترة الإجازات الصيفية من زيادة تعلق الأبناء بأجهزة
الحاسوب والانترنت والألعاب الالكترونية، مما يجعل أولياء الأمور يعيشون
قلق إدمان أبنائهم على تلك التقنية لاسيما صغار السن ونخص بالذكر من تراوح
أعمارهم بين (8 و13) عاماً.
هذا ما أكدته أعداد متزايدة من الأمهات اللاتي يعانين من بقاء صغارهم
لساعات طويلة أمام أجهزتهم، ولا يمتلك أولياء الأمور وسيلة لتحجيم هذا
الإدمان في ظل غياب البدائل المناسبة.
فماذا يقول أصحاب التخصص عن هذه المشكلة؟ وما الحلول المناسبة المتاحة؟
وكيف يمكن الوقوف على فوائد التقنية دون المرور بالسلبيات؟.
الصحفية هدى السالم بجريدة الرياض أجرت هذا الحوار مع الأستاذة وفاء بنت
سليمان الطجل المتخصصة والمدربة في رياض الأطفال، التي ترى أن الالكترونيات
أصبح لها دور رئيس في جميع تعاملاتنا اليومية وأن قدرتنا على منعها، أو
الحد من استخدامها أصبحا أمراً صعباً.
وتضيف قائلة: «الأمر يشكل هاجساً لدى المربين بين مدى الضرر والفائدة، خاصة
إذا وصل الاستخدام إلى حد الإدمان والملازمة، ولنتفق أولا على أن
الالكترونيات هي كل ما يتعامل معه الطفل من حاسوب وألعاب الكترونية محمولة
أو على شبكة الانترنت والجوال وغيرها، والتي تؤثر سلباً في صحة الطفل حسب
دراسات أثبتت إصابة كثير من الأطفال بآلام وإعاقات في الرقبة والظهر بسبب
طريقة جلوسهم غير الصحيحة أمام شاشات الألعاب الالكترونية والحاسوب، كما أن
كثرة حركة الأصابع على لوحة المفاتيح تسبب أضرارا بالغة للإبهام ومفصل
الرسغ نتيجة لثنيها بصورة مستمرة، كما تسبب الومضات الضوئية المنبعثة من
تلك الشاشات نوعاً نادرا من الصرع، إضافة إلى تأثر أعين الأطفال، فالحركة
السريعة للعينين التي يقوم بها الطفل في أثناء استخدامه الألعاب
الالكترونية تجهدهما وتؤدي إلى احمرارهما، والشعور بالجفاف الشديد،
وأحياناً الالتهاب وهذا ما يؤدي إلى الشعور بالصداع، إضافة إلى ذلك سجلت
الإحصاءات ارتفاعا شديدا في البدانة لدى الأطفال وما يصاحبه من أمراض مثل
السكري بسبب العادات الغذائية السيئة، التي يكتسبها الطفل، فهو إما أن
تزداد بدانته وإما يزداد ضعفه بسبب قلة الحركة واعتماده على المأكولات
السريعة، ورفضه الانضمام إلى أسرته أثناء الوجبات الرئيسة وحصوله على
الغذاء المناسب له».
**الآثار السلوكية
وفيما يخص الآثار السلوكية ذكرت الأستاذة الطجل أن الألعاب الالكترونية
تنمى في عقول الأطفال قدرات ومهارات تعتمد على العنف والعدوان، وتقتل
الشعور بالذنب، أو بتأنيب الضمير لديهم، وتزيد الأفكار والسلوكيات
العدوانية بسبب اعتماد نسبة كبيرة من الألعاب على إيذاء الآخرين والاعتداء
عليهم وعلى ممتلكاتهم من دون وجه حق.
""وأضافت «وغالباً ما تكون هذه الألعاب أكثر ضرراً من أفلام العنف التي قد
يشاهدها الطفل على التلفاز؛ لأن الأطفال غالباً ما يتفاعلون مع شخصياتها
العدوانية، فيظهر ذلك على سلوكهم إضافة إلى ما تدعو إليه بعض هذه الألعاب
من الرذيلة والأفكار الإباحية، التي تفسد عقول الأطفال والمراهقين، والقيم
والتعاليم الدينية التي نشأ عليها أبناؤنا، وقد لوحظ على كثير من الأطفال
التعلق الزائد بهذه الألعاب، وهذا ما أدى إلى ضعف التحصيل الدراسي وظهور
اضطرابات التعلم مثل تشتت الانتباه، وقد يصل الأمر إلى الهروب من المدرسة
في أثناء اليوم الدراسي، أو التمسك بحجج مفتعلة للتهرب من الذهاب إلى
المدرسة، إضافة إلى انتشار ظاهرة العزلة الاجتماعية والتوتر وضعف العزيمة
وعدم قدرة الطفل على التحكم في إرادته، كما أصبح ارتفاع أسعار الألعاب
الإلكترونية يشكل عبئاً على دخل الأسرة أمام إصرار الطفل على اقتنائها».
كما قالت إن هناك آثارا سلبية تكون أكثر خطورة خاصة مع تحولها في بعض
الحالات من مجرد وسيلة لقضاء وقت الفراغ إلى حالة إدمان، فالأمر في البداية
يكون لمجرد اللعب فقط والتسلية، ثم تبدأ العوامل السلبية في الظهور، بداية
من الانعزال عن الحياة الاجتماعية وانقطاع الحوار بين الطفل ومن حوله
والاتجاه للخيال، لدرجة أن حالات إدمان الألعاب أصبحت أحد فروع الطب النفسي
الحديث، وأصبحت العيادات تستقبل كثيرا ممن هم أقل من 17 عاما، ولمواجهة
ذلك على الأهل مراقبة أوقات لعب أطفالهم منذ مراحل عمرية مبكرة حتى لا
تتفاقم المشكلة ويصعب علاجها فيما بعد».
***آثار إيجابية
أكدت الأستاذة وفاء أن لتلك الألعاب جانباً إيجابياً أيضاً، من ناحية تنمية
القدرات العقلية والخيال والإبداع لدى الأطفال وتزويدهم بالمعلومات
المفيدة، وزيادة إدراكهم وتنمية مهارات التواصل لديهم، وتفيد أن بعض خبراء
التربية يفضلون استخدام الطفل للأجهزة الحاسوبية على مشاهدة التلفزيون الذي
يكون فيه مستقبلاً سلبياً فقط، إضافة إلى أن وسائل الإعلام وشبكة الانترنت
معاً لهما دور كبير في إكساب الطفل تراكيب لغوية جديدة؛ لما تختلط من
العامية والفصحى واللغات الأخرى، مما يتراكم عشوائيا في ذاكرة الطفل ويساهم
في توليد لغة جديدة تشكل نقطة تحول في شخصيته.
**كيف يدمن الأطفال؟
قالت الأستاذة وفاء: «يتأثر الطفل بكل ما يراه، خاصة في المراحل العمرية
المبكرة حيث تمر أمامه صور الألعاب الالكترونية وأحداثها، وهي تعمل على
مخاطبة عقله الباطني، عن طريق بناء الألفة معه، فيتشبع بما تنقله من
سلوكيات ورسائل سلبية ويعتاد عليها، وتصبح مألوفة لديه حتى لو كانت تعبر عن
أشياء مخالفة لما تربى عليه من قيم وتعاليم، علماً أن بعض هذه الألعاب
يعمل علي تدمير العقائد الدينية وتشترط على الطفل القيام بأفعال تنافي
التوحيد، مثل السجود لبعض شخصيات الألعاب، أو ارتكاب سلوكيات تخالف
القانون، وهنا لا يستطيع الطفل منعها أو الاعتراض عليها، فهو في أثناء
اللعب يشعر بالحماس والتأثر والاندماج في اللعبة فيعيش معها ويرتكز تفكيره
في الفوز وتحقيق الهدف، ثم تنتقل هذه الصور فيما بعد إلى عقله الواعي وتصبح
من سلوكه المألوف، وهنا يقف الأب مستغربا عن كيفية اكتساب ابنه لهذه
السلوكيات السلبية والمفاهيم الخاطئة».
**كيف نكتشف إدمان الطفل؟
قالت الطجل: «لا يعني انشغال الطفل بالتصفح في المواقع التي يسمح له
بالدخول إليها، أو ممارسته لبعض الألعاب انه أصبح مدمناً، أو يستدعى ذلك
خوف المربي الشديد إلى حد الوسوسة والدخول في صراعات مع طفله، لكن هناك بعض
الدلائل التي تدعو الوالدين إلى الانتباه واتخاذ الإجراءات اللازمة منها:
(لجوؤه إلى الكذب لتبرير جلوسه الطويل على الحاسب، أو على الألعاب على انه
احد أشكال المعرفة، أو النشاط الاجتماعي المفيد، عزوفه عن مشاركته الأسرة
في الأنشطة والاهتمامات الأسرية، صعوبة التوقف عن استخدام الألعاب، أو
الشبكة حتى إذا أصابه التعب، أو النعاس، تأثر أوقات نومه وطعامه وتحصيله
الدراسي بشكل سلبي، حدوث مشكلات أسرية وانزعاجه الشديد إذا منع عنها، إهمال
النظافة الشخصية، إنفاق كل مصروفة في شراء الأجهزة والألعاب الالكترونية).
(((دور الوالدين)))
قالت وفاء: «من الطبيعي أن تستهوي الطفل ألعاب الكمبيوتر والتصفح على
الشبكة الالكترونية، خاصة أنه لا يفضل أن يظهر الجهل أمام رفاقه، كما أن
الفضول الذي تتمتع به طبيعة الطفل يدفعه إلى التجربة لمعرفة كل شيء حول
هذا، وأرى أن من أهم الأمور التي على الوالدين تطبيقها لحماية أطفالهم من
التعلق بالأجهزة الحاسوبية، وضع برامج الحماية، والتشفير على الجهاز قبل
السماح للطفل باستخدامه، وإشراك الطفل في وضع قوانين وضوابط للاستخدام، حتى
يسهل عليه تطبيقها والتزامها والمرونة والتدرج في تنفيذها، وإقناعه أن ذلك
من أجل مصلحته، والتزام الثبات والاستمرارية في تطبيق الضوابط بحزم، حتى
تؤدي فعاليتها، ثم اللجوء إلى التشجيع عند الانضباط والمعاقبة عند عدم
التطبيق، ترسيخ المفاهيم الدينية والتربوية الواعية في نفس الطفل منذ
الصغر، حتى يتكون لديه رادعاً ذاتياً يمنعه من استغلال هذه التقنية في
إيذاء الآخرين، أو مخالفة القانون، أو الإطلاع على مواقع غير أخلاقية،
الحرص على الانضمام إلى دورات تعلم الوالدين استخدام الجهاز حتى يتمكنا من
تعليم أطفالهما وتوجيههما ومراقبتهما، حتى لا يكون الطفل هو المتحكم في هذه
الأداة، تثقيف الطفل وتوعيته حول مخاطر استخدام شبكة الانترنت، والدخول في
غرف (الدردشة) مع غرباء، وأن يبلغ والديه أو أحد البالغين من حوله في حالة
تعرضه لأي شيء غير مريح، المراقبة والمتابعة المستمرة من دون إشعار الطفل
بذلك ومن دون منعه، علماً أن وضع الجهاز في مكان عام بالمنزل (كغرفة
الجلوس) يساعد الأب على المراقبة والمتابعة علماً أن الرقابة المشددة التي
يفرضها بعض الآباء على أبنائهم، تدفعهم إلى إخفاء كثير من أنشطتهم والمواقع
التي يدخلونها، ويجب تنبيه الطفل بعدم إدلاء أي معلومات شخصية عن اسمه، أو
عنوانه، أو ممتلكاته، أو تبادل صور، فقد يقع تحت سيطرة من يقوم بدور
الصديق، أو شخص يعرفه فيتعرض بذلك لحوادث الاختطاف والابتزاز، فليس كل ما
يشاهده أو يقرؤه يكون حقيقياً، كما يجب تشجيع الطفل على عدم الانشغال
بالحاسوب لفترة طويلة، وحثه على أداء واجباته الأساسية مثل: الصلاة في
أوقاتها، والدراسة، وأخذ فترات من الراحة لممارسة القليل من الرياضة، ثم
العودة للجهاز مرة أخرى، وأنصح الأب بمشاركة الطفل في البحث عن مواقع على
الشبكة تتضمن ألعاب وموضوعات تناسب احتياجاتهما وهواياتهما في نفس الوقت،
واقتراحها عليه بطريق غير مباشر حتى لا يشعر بأنها مفروضة عليه مثل: تكليف
الطفل فوق 10 سنوات بمساعدة والده في البحث عن معلومة، أو موضوع معين
يحتاجه، كما يمكن اقتراح مسابقات وأنشطة متنوعة يقوم بها أفراد الأسرة،
ووضع وقت معين لإنجازها، مثل البحث عن أفضل عمل فني، أو أغرب الأخبار
وأحدثها، وغيرها مما تقترحه الأسرة، ووضع مكافأة تشجيعية لأفضل عمل». وختمت
وفاء الطجل حديثها قائلة: «من الصعب على الوالدين منع أطفالهم من مواكبة
تقنيات عصرهم مع غزو العالم الالكتروني، لكن أنصح بالتوازن والحكمة فيما
يسمحون به وفيما يمنعون أطفالهم عنه، واتخاذ حديث الرسول صلى الله عليه
وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» نبراساً لهم مع تأهيل الأطفال بكل
ما يستطيعون لمواجهة تحديات عصرهم بقوة وثبات».