لمُسَــاهَمَـــاتْ : 12173 العمر : 29 مزاج : تاريخ التسجيل : 19/12/2008
Subject: لهذا استقالت مساجدنا من المجتمع Wed 26 May أƒ 2:53
في وقت لا زالت فيه غالبية مواضيع خطب الجمعة تتمحور حول قضايا لا ترتبط أساسا بالظواهر الاجتماعية التي يعيشها المواطن، تواصل الآفات الاجتماعية نخرها للمجتمع الجزائري الذي تفرق شبابه بين الانتحار والحرقة واكتسحت فيه المرأة عالم الإجرام من بابه الواسع، بينما بلغت الأرقام المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على الأطفال وحالات الطلاق والتشقق الأسري سقفا يفوق الخيال..
فما هي أسباب عجز المساجد عن مواكبة الظواهر الاجتماعية وإرشاد المصلين لكيفية التعامل معها وتجنب آفاتها؟؟
يرى العديد من المختصين ضرورة إعادة النظر في طريقة الخطاب المسجدي على نحو يكون فيه أكثر واقعية، وذلك للدور الكبير الذي يمكن لبيوت الله أن تقوم به في علاج مش الناس والحيلولة دون الانتشار غير المسبوق للآفات الاجتماعية التي باتت مصدر تهديد للمجتمع الجزائري.. ويُعتبر هذا من أولى أولويات المساجد التي توجد في كل مدينة وفي كل قرية، بل وفي كل حي.
وللمساجد حرمتها في نفوس الجزائريين، فهم يلتقون فيها لأداء الصلوات الخمس في جماعة وصلاة الجمعة كل أسبوع، ويصلي بعضهم فيها النوافل كما يصلون فيها التراويح جماعة وكذلك صلاة العيدين وصلاة الكسوف، وقد يصلون فيها صلاة الاستسقاء، فهي في الأصل محل لأداء العبادات الجماعية، وإذا وجد في المسجد إمام كفء ولديه اطّلاع على قضايا الناس الدينية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، فإنه سيكون قطب جماعة المسجد وأهل الحي أو الدشرة ومحور كافة شؤونهم، يلتفون حوله ويتعلمون العلم على يديه ويسارعون إلى سماع خطبه ومحاضراته ويسألونه عما أشكل عليهم ويستفتونه في الحلال والحرام، ويلجأون إليه للصلح بين المتخاصمين منهم، كما يقصدونه لإفراغ ما في قلوبهم من هموم وأوجاع.
لكن غالبية مساجدنا تفتقر إلى هذا النوع من الأئمة بسبب ظروف متعلقة أصلا بالمستوى العلمي للأئمة من جهة، وكذا الوضع المزري الذي يعيشه الأئمة أنفسهم من جهة أخرى، وهو ما ساهم في إبعاد المساجد عن دورها الاجتماعي واقتصار مهمتها على إقامة الصلوات وإصدار بعض الفتاوى المستوردة في كثير من الأحيان من المشرق، فالإمام الذي لا يتعدى مرتبه 18 ألف دينار ولا يملك المستوى الجامعي المؤهل ولا يستطيع حتى شراء الكتب أو الاستفادة من خدمات الإنترنت بحكم مرتبه لا يستطيع التفرغ لتكوين نفسه أو المساهمة في حل مش الناس والاستماع إلى انشغالاتهم، ووجود أكثر من 16 ألف مسجد في الجزائر عجزت عن التخفيف من طوفان الانحراف وسيل المش التي يتخبط فيها الناس، فبعض المنتحرين بسبب الإحباط والفراغ الذي يعايشونه هم من المصلين، وكم من رواد المساجد الذين تحولوا إلى قتلة جراء فتاوى ضالة لم تجد من يتصدى لها بالتصحيح والتعقيب، والغريب في الأمر أن الأئمة أنفسهم باتوا متابعين قضائيا بسبب إقحامهم في قانون العقوبات لسنة 2001، وهكذا مُنع الخطيب من انتقاد المفسدين، ومما زاد الطين بلة هو وجود بعض المنتسبين لأسلاك معلمي القرآن وقيّمين على المساجد في جرائم التحرش الجنسي والاعتداء على الأطفال، وهو ما عمق الفجوة بين المواطن والمسجد الذي وجهت إليه أصبع الاتهام في العشرية السوداء، فزاد تخوف الناس وانفصالهم عنه، وبدل المكوث في المسجد للذكر والتفقه صار الشعار هو "صلي وارفد سباطك".