بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على سيدنا محمد و على أهله و صحبه أجمعين
التوبة الصادقة
كان يقطن مدينة الرياض, يعيش في ضياع, لا يعرف الله الا قليلا,منذ سنوات لم يسجد لله سجدة و احدة, و يشاء الله -عز و جل- أن تكون توبته على يد ابنته الصغيرة..
يروي القصة فيقول:
كنت أسهر حتى الفجر مع رفقاء السوء في لهو و لعب و ضياع تاركا زوجتي المسكينة, و هي تعاني من الوحدة و الضيق و الألم, ما الله به عليم, لقد عجزت عني تلك الزوجة الصالحة الوفية, فهي لم تدخر وسعا في نصحي و ارشادي و لكن دون جدوى.
و في احدى الليالي, جئت من احدى سهراتي العابثة و كانت الساعة تشير الى الثالثة صباحا, فوجدت زوجتي و ابنتي الصغيرة و هما تغطان في نوم عميق, فاتجهت الى الغرفة المجاورة لأكمل ما تبقى من ساعات الليل في مشاهدة بعض الأفلام الساقطة من خلال جهاز الفيديو, تلك الساعات التي ينزل فيها ربنا -عز و جل-, فيقول: (هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟..)
و فجأة, فتح باب الغرفة, فاذا هي ابنتي الصغيرة التي لم تتجاوز الخامسة, نظرت الي نظرة تعجب و احتقار, و بادرتني قائلة: عيب عليك يا والدي اتق الله (رددتها ثلاث مرات), ثم أغلقت الباب و ذهبت, أصابني ذهول شديد , فأغلقت جهاز الفيديو, و جلست حائرا, و كلماتها لا تزال تتردد في مسامعي و تكاد تقتلني, فخرجت في أثرها , فوجدتها قد عادت الى فراشها,.. أصبحت كالمجنون , لا أدري ما الذي أصابني في ذلك الوقت و ما هي الا لحظات حتي انطلق صوت المؤذن في المسجد القريب ليمزق سكون الليل الرهيب , مناديا لصلاة الفجر.
توضأت و ذهبت الى المسجد,و لم تكن لدي رغبة شديدة في الصلاة, و انما الذي كان يشغلني و يقلق بالي كلمات ابنتي الصغيرة.
و أقيمت الصلاة و كبر الأمام, و قرأ ما تيسر له من القرآن, وما ان سجد و سجدت خلفه ووضعت جبهتي على الأرض حتي انفجرت ببكاء شديد, لا أعلم له سببا , فهذه أول سجدة أسجدها لله -عز و جل- منذ سبع سنين.
كان ذلك البكاء فاتحة خير لي, لقد خرج مع ذلك البكاء كل ما في قلبي من كفر و نفاق و فساد, و أحسست بأن الأيمان بدأ يسري بداخلي.
و بعد الصلاة جلست في المسجد قليلا, ثم رجعت الى بيتي, فلم أذق طعم النوم حتى ذهبت الى العمل, فلما دخلت على صاحبي استغرب حضوري مبكرا, فقد كنت لا أحضر الأ في ساعة متأخرة بسبب السهر طوال ساعات اليل, و لما سألني عن السبب أخبرته بما حدث لي البارحة فقال: احمد الله أن سخر لك هذه البنت الصغيرة التي أيقظتك من غفلتك, و لم يرسل لك ملك الموت ليقبض روحك على تلك الحالة.
و لما حان و قت صلاة الظهر كنت مرهقا, حيث لم أنم منذ و قت طويل , فطلبت من صاحبي ان يستلم عملي, و عدت الى بيتي لأنال قسطا من الراحة, و انا في شوق لأرى ابنتي الصغيرة التي كانت سببا في هدايهتي و رجوعي الى الله
قال: و رجعت الى البيت و أنا في شوق شديد لرؤية تلك الأبنة المباركة, فكنت أشعر بأن أقدامي يسابق الريح , فلما وصلت الى البيت , و جدت زوجتي واقفة أمام باب المنزل -على غير عادتها- و صرخت في وجهي وقالت أين كنت؟ قلت كنت في العمل. قالت: اتصلنا بك كثيرا فلم نجدك فأين كنت؟
قلت كنت في المسجد الذي في مكان العمل,فما الذي حذث و ما الذي جعلك تقفين أمام الباب في تلك الساعة؟
قالت : لقد ماتت ابنتك.
قال الرجل: لم أتمالك نفسي من هول الصدمة , فانفجرت بالبكاء, و لم أتدكر الأ كلمتها: ( عيب عليك يا و الدي اتق الله, عيب عليك يا والدي اتق الله اتق الله )
قال: اتصلت بصاحبي و قلت له : لقد ماتت ابنتي التي جعلها الله سببا لخروجي من الظلمات الى النور.
فجاء صاحبه اليه مسرعا, و دخل الرجل فغسل ابنته و كفنها و ذهبوا الى المسجد , فصلوا عليها ثم ذهبوا الى المقبرة, فقال له صاحبه : خذ ابنتك و ضعها تحت التراب
فكل باك فـــســـيـــبكى
و كل ناع فـــســـيـــنعى
و كل مــذخـــور ســيــفنى
و كل مــذكــور ســيــنسى
ليـس غــيــر الله يــبــقى
من عـــلا فـــاله أعــلى
فأخذ الرجل ابنته و دفنهاو هو يقول للناس من حوله: أنا لا أدفن ابنتي, و انما أدفن النور الذي أضاء لي الطريق الى الله -جل و علا- هذه البنت جعلها الله سببا لهدايتي و أناأسأل الله أن يجمعني بها في جنته.
فبكى الناس حوله بكاء مريرا حتى كادت قلوبهم تتقطع حزنا على تلك الأبنة المباركة.
و هكذا أيها الأخوة الكرام لا يدري الأنسان متى يأتيه ملك الموت, فالموت لا يعرف صغيرا و لا كبيرا.
قال تعالى:( فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون)
فلنسرع الخطى الى الله و لنعلنها توبة صادقة عساها أن تكون آخر ساعة في العمر و يكون الجزاء في جنة الرحمن.
مقتطف من كتاب:ساعة.. و ساعة نوادر و عجائب