سبعون تعليقا "حتى الظهر" على موقع صحيفة لوفيغارو ،
على خبر صغير حول خطط لاطلاق الجزيرة باللغة الفرنسية ، ما يشكل استفتاءً
اوليا على الفكرة.
واذا صحت هذه الانباء فإن هذه المبادرة ستغطي
مساحة كبيرة مما يسمى "الفضاء الجيولغوي" ظلت مهملة حتى الآن من قبل
الفضائيات العربية.
الفضاء الجيولغوي هو اولاً فضاءّ عربي منتشر على
كل مساحات العالم ، وقد سمح بث الفضائيات ، وفي طليعتها الجزيرة بإعادة
التواصل معه ، كما لم يحصل منذ بدء الهجرات المختلفة. والفضاء الجيولغوي ،
قد يكون فضاء الاخرين كما هو الحال مع الساحات الانكلوفونية وهو ما ظل
العرب يطالبون باختراقه الى ان تحقق الحلم مع الجزيرة بالانكليزية. اما
الفضاء الجيولغوي الاخر فهو ذلك الفرانكوفوني ، ولا نقصد به المتحدثين
بالفرنسية الى جانب العربية ، فهؤلاء يتابعون البث بالعربية ، وانما هو ذلك
الفضاء الذي لا يفهم العربية ويتلقى بالفرنسية ، كما هو حال الشعوب
الفرانكوفونية في أفريقيا وفي بعض طبقات المغرب العربي ، ومن ثم في فرنسا
واوروبا الناطقة بالفرنسية في مكونيها: المحلي الفرنسي والمهاجرون ذوو
الاصول العربية والاسلامية.
وباستعراض هذه الخريطة المتلقية
الافتراضية لبث بالفرنسية ، تبرز الالوان المختلفة للبقاع والرقع التي
تنتشر عليها ، والتي لا يجوز انتهاج مقاربة اعلامية واحدة ازاءها. فالتوجه
الى المهاجرين غير التوجه الى مواطني المغرب العربي المقيمين ، والتوجه الى
أفريقيا غير التوجه الى اوروبا والتوجه الى المسلمين غير التوجه الى ابناء
الثقافات الاخرى. من هنا يكون على الجهات التي تبلور الرؤية وتخطط للبرمجة
ان تكون بالغة الدقة في رسم خريطتها هي الاخرى. لا بد لها ان تتمتع بمهنية
عالية ، لانها ستنافس على ساحات مهنية ، ولكن الاهم من ذلك ان عليها ان
تتمتع بوعي سياسي واجتماعي عاليين ، لا يؤمنهما اطلاقا الاكتفاء باتقان
اللغة الفرنسية او بتكنوقراطية عالية.
ولكي نكون اكثر ملموسية ودقة ،
نسأل: ما الذي تريده قطر من هذه الفكرة الجديدة؟ وفي خدمة أية قضايا تريد
توظيفها؟.
مسألة الاستثمار في أفريقيا؟ كما يقول الفرنسيون؟ لا بأس ،
وهذا حق طبيعي ومشروع ان تضع دولة وسائل اعلامها في خدمة اقتصادها.
مسألة
اكتساب النفوذ والتأثير في اوساط المهاجرين العرب المغاربة في اوروبا
وتحديدا في فرنسا؟ لا بأس. وهذا انجاز للدبلوماسية العربية التي طالما
اهملت هذه الثروة البشرية الهائلة.
مسألة توازن بين الفرانكوفونية
والانكلوفونية في الاعلام؟ لا بأس ايضا ، اذ انها محاولة الوقوف على اكثر
من قدم واحدة.
لكن ، الاهم من كل ذلك هو السؤال الأعمق المتعلق
بالرؤية السياسية الثقافية التي ترسم ما يراد احداثه من تأثير في أفريقيا
وفي اوروبا وفي المغرب العربي. تأثير إن هو الا في علاقة تبادلية مع
الاستثمار. وللاجابة عن السؤال لا بد من فصل هذه البؤر الثلاث ، وتناولها
بشكل منفصل كليا.
واذا كان هذا العصر ، هو عصر دراسات التلقي في
مجال الدراسة الاعلامية ، فان دراسة التلقي الضرورية هنا تبحث في ثلاثة
حقول مختلفة ، ولا يجوز بأي حال الاكتفاء من الدراسة بمعرفة ما يريده "نداء
المتلقي" والاستجابة له. فذاك من باب "الحك على الجرب" ، وانما الاصل بناء
الدراسة على ما يريده صاحب الرؤية وكيف يمكن ايصاله الى الجمهور.
ومن
هنا لا بد من الاضطلاع بواجب تعريف المهاجرين بثقافاتهم ، وحقوقهم ،
ودعمها ، مع الانتباه الى عدم اللعب على عُقدهم وردات فعلهم.
لا بد
من الاهتمام بالتوجه الى المغرب ولكن دون تشجيع الفرانكوفونيين فيه على
الابتعاد عن اللغة العربية ، ودون اشعارهم بأن من حقهم علينا ان نخاطبهم
بلغة المستعمر التي يتمسكون بها.
لا بد من التوجه الى الغرب
الفرانكوفوني بموقف يقدم ذاتنا الثقافية والحضارية كما يقدم روايتنا
وقراءتنا ، بكرامة واعتزاز ومعرفة ، ولكن دون الشطط الى موقع صراع الحضارات
الذي لا يصب في مصلحتنا على ساحاتهم او الى موقع مسايرتهم.
لا بد
من التوجه الى أفريقيا باسلوب يشعرها باننا معها في مآسيها وحقوقها ،
ويشدها الى تأييد حقوقنا ، هي التي اصبحت ساحة صراعات هائلة بين الصين
والاميركيين وساحة نفوذ هائل ايضا لاسرائيل.
معادلات صعبة ، لكن
رؤية صحيحة تستطيع مقاربتها واحلالها ، ولا شك ان افضل ما يمكن فعله هو
العودة الى التأمل في العناصر التي شكلت نجاح الجزيرة العربية ، مع اخذ
الفوارق والاختلافات بعين الاعتبار.
انها مغامرة جديدة تكسر للمرة
الثالثة قاعدة اعلامية طالما ناضل العالم الثالث ضدها في صفوف اليونسكو ،
ولم ينجح ، وهي قاعدة ما سمي بالتدفق ذي الاتجاه الواحد "وان فلو اوف
انفورميشن". تدفق لم يحقق في تاريخه السمعي البصري ، نجاحا يذكر عندما صدر
عن الطرف الفرنسي ، باستثناء راديو مونتي كارلو.