بالأرقــام.. الأونروا واللاجئون الفلسطينيون في لبنان
بعد ستين سنة من تأسيس وكالة الأونروا بموجب القرار رقم 302 الصادر عن
الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 8/12/1949، ومهمتها كما جاء في قرار
تأسيسها «التعاون مع الحكومات المحلية في عمليات الإغاثة وبرامج التشغيل».
وجاء قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بتأسيس الأونروا استكمالاً لدور
الأمم المتحدة في متابعة الأزمة الحاصلة في فلسطين بفعل المشروع الصهيوني،
ففي 14/5/1948 عيّنت الأمم المتحدة الكونت برنادوت وسيطاً لحلّ الأزمة، وفي
19/11/1948 أنشأت صندوقاً خاصاً للاجئين الفلسطينيين بهدف تقديم المساعدة
العاجلة، وفي 2/12/1950 أنشأت الأمم المتحدة صندوقاً لإعادة دمج
اللاجئين.إذن، ارتبط إنشاء منظمة الأونروا مباشرةً بتطورات القضية
الفلسطينية التي بدأت مع وجود المشروع الصهيوني الهادف إلى احتلال فلسطين
وطرد سكانها وإسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وطمس هويتهم وتوطينهم
خارج بلادهم. ولا شك في أن الأونروا قدمت خدمات مهمة للاجئين الفلسطينيين
في الأقاليم الخمسة التي تعمل فيها، أي في الضفة الغربية وغزة والأردن
وسورية ولبنان. وتركزت خدمات الأونروا في مراحل اللجوء الأولى على إحصاء
اللاجئين وتسجيلهم وإغاثتهم وإسكانهم، ثم بدأت مرحلة التعليم والخدمات
الصحية.
وساهمت الأونروا في أوقات معينة، بوسائل متعددة، في تطوير مجتمع اللاجئين
وفي مساعدة آلاف العائلات على الانتقال من مرحلة اللجوء إلى مرحلة
الاستقرار. وبالمقابل، لا شك في أن صلابة الإنسان الفلسطيني، وقدرته،
وتمسكه بحقه، وصموده في وجه أهوال اللجوء، وتحمله معاناة الحياة، ساهمت في
نجاح مهمة الأونروا.
ملاحظات مدخلية
ما يعنينا في هذه الذكرى أن نتوقف عند ملاحظات أساسية في عمل الأونروا،
منها:
1- الأونروا هي منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، تلتزم بقراراتها وتنفذ
سياساتها، وهذا يعني أنها تتأثر حكماً بالتوازنات الدولية، وبحالة الاختلاف
أو التوافق الدولي.
2- تُنفذ الأونروا سياسة المجتمع الدولي تجاه الفلسطينيين، وهي أداة
التنفيذ الميداني الرئيسية التي تتحكّم بما لا يقل عن أربعة ملايين لاجئ
يقيمون في الأقاليم الخمسة لعملها، وهي تستطيع من خلال موقعها إمرار سياسات
كثيرة في قضايا الثقافة والتعليم والرعاية الصحية والإغاثة. وهي تستطيع أن
تؤثر على سلوك اللاجئين ومزاجهم العام وواقعهم وتوجهاتهم المستقبلية.
3- بحكم دورها وموقعها، الأونروا معنية بتوجهات المجتمع الدولي تجاه حق
العودة أو التوطين. صحيح أنها منظمة إغاثية وليست سياسية، لكنها تتأثر
وتتقاطع مع المشاريع الدولية الهادفة إلى إسقاط حق العودة أو التوطين أو
الدمج. والدليل أن الأونروا بدأت في شهر تشرين الأول عام 1993(بعد شهر واحد
من توقيع اتفاق أوسلو) بتنفيذ «برنامج السلام»، وذلك بهدف تطوير البنية
التحتية وأحوال المعيشة في المخيمات داخل غزة والضفة بهدف إشعار
الفلسطينيين بـ«فوائد السلام مع إسرائيل»، والمساعدة على إنجاح هذا التحول
داخل مجتمع اللاجئين.
دور مجمّد.. لكنه أساسي
تتمتع الأونروا ببعض الخصائص التي هي في غاية الأهمية. فالأونروا هي الشاهد
الدولي على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي الرابط بين المجتمع الدولي
ومجتمع اللاجئين، وهي جسر التواصل بين المجتمع الدولي والحكومات المحلية،
وهي دليل على عدم تحقيق عودة اللاجئين، وهي «الشاهد السياسي» على مجتمعات
اللاجئين، حيث تستطيع الأونروا أحياناً أن تقول كلاماً فاصلاً في معاناة
اللاجئين وظروفهم البائسة، كما حدث أثناء مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام
1982، أو كما حدث أثناء الحصار والعدوان الإسرائيلي على غزة في العام
الماضي.
وأصبحت الأونروا بذاتها أزمة، فالأمم المتحدة غير قادرة على إنهاء دورها،
لأسبابها الخاصة كالعجز المالي وغيره، لأن ذلك سيؤدي إلى أزمات اجتماعية
وسياسية داخل كل مجتمعات اللاجئين، وغير قادرة أيضاً على تطوير عملها كي
تنتقل هذه المنظمة من مرحلة الإغاثة التي طالت لستين عاماً، إلى مرحلة
التنمية والاستقرار التي يحتاجها، لا بل يستحقها اللاجئ.
لذلك ظلت سياسة الأمم المتحدة التي تلتزم بها وتنفذها الأونروا هي سياسة
«الإسعاف الأولي» أو «غرفة الإنعاش»، أي تقديم الحدّ القليل جداً من
الخدمات، التي تسمح للاجئ الفلسطيني بالبقاء على قيد الحياة.
الأونروا في لبنان
ويستشعر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان دون غيرهم من اللاجئين في الدول
الأخرى أهمية الأونروا ودورها، وذلك لأن الدولة اللبنانية تتجاهل قضية
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولا تُقدم خدمات صحية وتعليمية وإغاثية
مباشرة لهم، كما هو حال اللاجئين في سورية والأردن، وبسبب سياسة التمييز في
القوانين اللبنانية، التي تمنع اللاجئ الفلسطيني في لبنان من حق العمل
والتملك والحصول على الضمان الصحي والاجتماعي، وتعدّه أجنبياً، وترفض تطبيق
القرارات الدولية والعربية التي تدعو إلى معاملة اللاجئ معاملة المواطن
العادي.
بناءً على كل هذه الاعتبارات، فإن وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بسبب
سياسة الأونروا والحكومات اللبنانية هو من أسوأ أوضاع اللاجئين
الفلسطينيين، وفي التقرير المعلوماتي الصادر عن الأونروا حتى 30 حزيران
(يونيو) 2009، ما يدلّ بالمقارنة على ذلك، بالآتي:
1- عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في لبنان 421,993
لاجئاً، وفي سورية 467,417، وفي الأردن 1,967,414.
2- نسبة اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون داخل المخيمات هي على النحو
الآتي: لبنان 53%، سورية 27%، الأردن 17%. وهذا يعني أن الظروف الاجتماعية
والإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان وسياسة التمييز تدفع 224,194
لاجئاً أي 53% للبقاء داخل مخيمات يعيشون فيها منذ 61 عاماً في واقع بائس،
وعلى مساحات ضيقة جداً تنعدم فيها المواصفات الصحية والاجتماعية.
3- إن الواقع البائس للاجئين الفلسطينيين في لبنان يظهر من خلال موازنة
الأونروا. فالأونروا تخصص للبنان 76 مليوناً و662 ألف دولار، ولسورية 55
مليوناً و4 آلاف دولار، وللأردن 127 مليوناً و479 ألف دولار.
ماذا تعني هذه النِسب؟
تخصص الأونروا 181.6 دولاراً للاجئ الفلسطيني في لبنان، و117.6 دولاراً
للاجئ الفلسطيني في سورية، و64.8 دولاراً للاجئ الفلسطيني في الأردن. ويبدو
أنهم يأخذون في الاعتبار أن اللاجئ الفلسطيني في كلٍّ من الأردن وسورية
يحصل على الرعاية الصحية والتعليم من الدولتين، ويمنع عليه ذلك في لبنان.
1- إن حالات العسر الشديد للاجئين الفلسطينيين في لبنان هي الأعلى بين كل
الأقطار. ففي لبنان تصل هذه النسبة إلى 12%، وفي سورية 7%، وفي الأردن 3%.
والأصعب من ذلك، وفق تقارير الأونروا أيضاً، أنّ حالات العسر الشديد
للاجئين الفلسطينيين في لبنان تفوق مثيلتها في غزة رغم الحصار الصهيوني
والعدوان الأخير، وهي في لبنان 12% وفي غزة 9%.
2- نسبة الطلاب الفلسطينيين الملتحقين بمدارس الأونروا قياساً إلى عدد
اللاجئين الفلسطينيين هي: 8.17% في لبنان، 14% في سورية، 6.2% في الأردن.
وهذه النسبة منخفضة جداً في لبنان، لأن الطلاب لا يحصلون على التعليم في
المدارس الحكومية. أما نسبة 6.2% في الأردن، فهي منخفضة، لكن ذلك يعود إلى
أنّ اللاجئ الفلسطيني يحصل على التعليم في مدارس الدولة.
3- وهذا ينطبق على المدارس أيضاً، ففي لبنان 81 مدرسة للأونروا، لـ 421993
لاجئاً، بينما في سورية هناك 119 مدرسة لـ 467417 لاجئاً. أي أن هناك
فرقاً، وهو 38 مدرسة لـ 45424 لاجئاً فقط. وهذا يدل على تدخل الحكومة
السورية في تحسين أحوال اللاجئين وابتعاد الحكومة اللبنانية عن ذلك، ويكشف
الفرق ومستوى العملية التعليمية.
4- موازنة الأونروا المخصصة للاجئين الفلسطينيين في لبنان تبلغ 76.66 مليون
دولار، وتستخدم الأونروا في لبنان 3238 موظفاً عربياً وأجنبياً. ولو
افترضنا أن متوسط الرواتب السنوي هو 12000$ ( × 3238 موظفاً)، لتبيّن أن
مدفوعات الأونروا على الرواتب سنوياً هي 38.86 مليون دولار، ما يعني أن
الباقي من الموازنة لا يتجاوز 37.81 مليون دولار، ما يعني أن حصة كل لاجئ
من الموازنة العامة للأونروا في لبنان هي 89 دولاراً في السنة، بما فيها
أجرة مقارّ الأونروا والمحروقات والمصاريف التشغيلية الأخرى والصيانة
والتأمين. فكيف يستفيد اللاجئ الفلسطيني في لبنان من مبلغ لا يتعدى 50
دولاراً في السنة؟!
هذه المعطيات تدلّ على أن واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أليم ومرير،
وأن اللاجئ الفلسطيني المحروم من خدمات الدولة اللبنانية ولا يحصل على
خدمات مقبولة من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، يضطر للاعتماد على
الأونروا في شؤون الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، وهذا يظهر من عدد
زيارات المرضى الفلسطينيين لطبيب الأونروا، حيث يستقبل الطبيب يومياً ما
يزيد على 120 حالة.
ما هو المطلوب؟
في عيدها الستين يجدر بالأونروا العمل على تحسين خدماتها وتطوير واقعها
وأدائها في لبنان، من خلال الآتي:
1- تحسين نوعي في مستوى خدمات الصحة والتعليم والرعاية.
2- البدء باستراتيجية التنمية المباشرة، وخاصة في قطاعَي التعليم والمهن.
3- التحرك الديبلوماسي إلى جانب الفلسطينيين لإقرار الحقوق المدنية في
لبنان.
4- تغيير المخيمات المتهالكة (60 سنة) أو تطويرها، وبناء وحدات سكنية جديدة
على غرار ما يجري في سورية.
5- العمل مع المجتمع المحلي وفق مبدأ التعاون والشراكة.
6- معالجة أشكال الخلل الإداري والمالي داخل الوكالة