لمُسَــاهَمَـــاتْ : 1426 العمر : 29 مزاج : تاريخ التسجيل : 31/05/2009
Subject: الحب صمغ التربية Sun 21 Mar أƒ 19:35
بسم الله الرحمن الرحيم
بعض المختصين يُشَبّهون تأثير الحب في التربية بتأثير الصمغ - تلك المادة اللاصقة . فكما أن الصمغ يُستخدم لإعادة ربط الأجزاء المنفصلة وتوصيلها ببعضها ، فكذلك هو الحب يمكن به إصلاح كل ما قد يفسد أثناء تربية الأبناء بشرط أن يكون حباً من النوع الإيجابي المعتدل الذي يبني ولا يهدم .
ولو تأملنا قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الروم ، لعلمنا أن أساس تكوين البيت المسلم من البداية هو المودة والرحمة . لذلك يجب أن يحافظ الآباء و الأمهات على هذا الأساس ويغرسوه في نفوس أبنائهم حتى يبقى البيت قائماً متماسكاً وقوياً في وجه أي مش يمكن أن تعصف به .
وقد ثبت أن أشد العقد النفسية خطورة، وأكثرها تمهيداً للاضطرابات الشخصية هي التي تتكون في مرحلة الطفولة المبكرة والتي تكون ناتجة عن اضطرابات في علاقة الطفل بوالديه لذلك فإن إشاعة الود والعطف بين الأبناء له اثر بالغ في تكوينهم تكوينا سليما . أما وسائل النصح والإرشاد التي يقدمها الآباء لأبنائهم فلا يمكن أن تثمر ما لم تكن هناك مودة صادقة وحب بين أفراد الأسرة .
ولا يقتصر تأثير الحب فقط على النواحي النفسية للأبناء ، إنما يتعدى ذلك للتأثير على النمو العقلي لهم . فلقد توصل باحثون من جامعة هارفرد إلى أن حجم الحزمة العصبية التي تربط بين نصفي المخ، وتنقل المعلومات بينهما، أصغر لدى الأطفال الذين تعرضوا للأذى البدني أو الإهمال من قبل الوالدين بمقدار 40%، مقارنة مع متوسط حجم المخ لدى الأطفال الذين لم يتعرضوا لمثل هذه الخبرات . كما أن الضغوط النفسية التي قد يتعرض لها الأطفال قد تصبح حالة مزمنة يرافقها مشكلات حادة مثل العصبية، والحركة الزائدة، والعدوانية، والانسحاب والضجر، وفقدان الدافعية، وتدني مستوى التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى مشكلات مرضية كآلام الرأس والبطن التي لا يعرف لها أسباب عضوية ظاهرة .
والحب ليس كلمة تقال للأبناء وينتهي الأمر عند هذا الحد ، إنما هو شعور يجب أن يترجم إلى أفعال حتى تسهم في بناء شخصية الأبناء وتدعمهم في مختلف مراحلهم العمرية . و لعل من أهم الوسائل العملية التي يستطيع بها الآباء والأمهات التعبير عن حبهم لأبنائهم ما يلي :
· اللمسة الحانية و الضم والتقبيل والابتسامة في وجه الأبناء كلها تعتبر رسائل لإيصال الحب لهم . ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث كان يقبل الحسن والحسين وجاء في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ ». كذلك كان من عادة النبي إذا دخل على ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها أو دخلت هي عليه أن يقبلها بين عينيها حتى أن المرة الوحيدة التي لم يفعل فيها هذا هي عندما كان مريضاً قبل وفاته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .
· مداعبة الأبناء ومشاركتهم في اللعب فلقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب صغار أهل بيته ويمازحهم ويضاحكهم، فعن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَصُفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيرًا من بني العباس -رضي الله عنهم- ثم يقول: (من سبق إلي فله كذا وكذا). قال :فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم .
· هناك اعتقاد سائد أن الأب وظيفته توفير الحاجات المادية لأبنائه بينما تُترك مسئولية الإشباع العاطفي للأم وحدها ، وهذا اعتقاد خاطئ حيث أنه لابد من التكامل بين دور الأم والأب ويجب أن يخصص الأب جزءاً من وقته يقضيه مع أبنائه يلعب معهم ويستمع لمشهم ويشاركهم الحوار في كل ما يخصهم . وقد أشارت بعض الدراسات إلى تفوق الأطفال الذين يتعاون الآباء والأمهات في تربيتهم على الأطفال الذين تتولى الأمهات فقط رعايتهم في التحصيل الدراسي ، كما تفوقوا عليهم في مستوى النضج الاجتماعي والانفعالي.
· مدح الأبناء عند قيامهم بأعمال جيدة و الثناء عليهم أمام الآخرين دون مبالغة في الإطراء ومن المؤسف أن بعض الآباء اعتادوا على ذم أولادهم عندما يخطئون لكنهم لا يوجهون لهم المدح والثناء عندما يحسنون صنعاً ظناً منهم أن من واجب الأبناء أن يقوموا بالأعمال الجيدة وأن عليهم أن يقوموا بها دون أن ينتظروا مدحاً أو ثناءً من أحد . كما أن المكافئات العينية أيضاً من الأمور المشجعة للأبناء بشرط ألا تصبح عادة بحيث لا يقوم الأبناء بعمل شيء إلا إذا صاحبه مكافأة مادية وعندئذ تصبح رشوة وليست مكافأة .
· غرس الحب في نفوس الأبناء من خلال القدوة الحسنة فعندما يرى الطفل والديه يتعاطف كل منهما مع الآخر و يغمرانه و إخوانه بالحب والحنان فإنه سيتعلم بالقدوة كيف يتعاطف مع الناس ويراعي مشاعر من حوله فينشأ شخصاً محبوباً ومؤثراً في الآخرين .
· عندما يخطئ الأبناء يجب عدم نعتهم بصفات سلبية مثل ( أنت فاشل ، أنت كاذب ، أنت كسول ) وغيرها من الألفاظ لأن تكرار هذه الصفات على مسامعهم يجعلها تصبح جزءاً من شخصية الأبناء يحملونها معهم طول حياتهم . لذلك يجب التركيز عند لومهم على تقبيح الفعل الذي قاموا به بدلاً من الطعن في شخصيتهم وصفاتهم .
· البعض من فرط حبه لأبنائه يبالغ في تدليلهم ويلبي لهم كل حاجاتهم على الفور دون تحميلهم أدنى قدر من المسئولية وهذا النوع من الحب هو نوع سلبي يجعل الأبناء يعتادون على الراحة و يصبحون غير قادرين على تحمل المسئوليات التي تناط بهم عندما يكبرون، لذلك فإن علاج هذه المشكلة يبدأ منذ الطفولة بأن نعلم الطفل كيف يتحمل مسئولية تصرفاته بالإضافة إلى تعويد الأبناء على القيام بحاجاتهم والاعتماد على أنفسهم من عمر مبكرة .
· من أساليب إظهار الحب للأبناء الاعتذار لهم إذا أخطأنا في حقهم مثلاً إذا قمنا بتوجيه كلمات قاسية جارحة لهم في لحظة غضب ، وليس عيباً أن يعتذر الكبير من الصغير فالاعتذار في حالة الخطأ يعلّم الطفل أنه ليس هناك كبير علي الاعتــذار ويعلمــه أيضا معني التســـامح .
· عدم إثارة مشاعر الغيرة بين الإخوة من خلال التفرقة غير المقصودة بينهم كالاهتمام بطفل دون الآخر، فحتى لو كان هذا الابن يستحق رعاية أكثر بحكم ظروفه ، فالحكمة مطلوبة في التعامل مع الأبناء حتى لا يشعروا بالتفرقة بينهم. من ناحية أخرى يجب عدم التفريق في المعاملة بين الابن والابنة حيث نجد الكثيرين للأسف يفضلون الذكور على الإناث ويميزونهم عليهن ، وهذه التفرقة في المعاملة تنمي عند الأبناء الغرور والأنانية وتؤدي إلى غيرة البنات التي قد تبقى مكبوتة ثم تنفجر مع الوقت في شكل عقد نفسية مثل كراهية الرجال وعدم الثقة بهم وغير ذلك من المظاهر التي تضر بحياتهن المستقبلية .
· ولأن الحبيب يتمنى الأفضل دائماً لمن يحبه لذلك فأفضل حب يقدمه الآباء والأمهات لأبنائهم هو الدعاء لهم في كل وقت بأن يصلح الله أمورهم وأن ينشئوا في طاعة الله و أن يكون مقامهم في الجنة بصحبة خير المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام . وحتى يرتبط الأبناء بهذا الهدف لابد من غرس حب النبي في نفوسهم منذ نعومة أظفارهم عن طريق بيان سيرته لهم و مدى سماحته ورقته صلى الله عليه وسلم وأنه يشتاق للقائنا كما جاء في الحديث ( اشتقت لإخواني ) وكذلك كيف أنه خبأ دعوته المستجابة حتى يشفع لنا يوم القيامة ، فكما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لكل نبي دعوة مجابة، وكل نبي قد تَعجــل دعــوته، وإني اختبأت دعوتي شفــاعة لأمتي يــوم القيامة ) ، وهو الذي طالما دعا ربه قائلاً: ( يا رب أمتي ، يا رب أمتي ) ، وهو الذي سيقف عند الصراط يوم القيامة يدعو لأمته وهم يجتازونه، قائلاًً: ( يا رب سلِّم ، يا رب سلِّم ) .
أخيراً على كل أب وكل أم أن يبروا آباءهم وأن يزرعوا الحب والحنان في قلوب أبنائهم حتى يحصدوا منهم البرّ والحب ، لأن الجزاء من جنس العمل و هذا مصداقاً لقوله تعالى : { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } (60) سورة الرحمن .
b.m.f
لمُسَــاهَمَـــاتْ : 809 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 10/12/2009