الاتحاد
يقصد به أن تصير ذات ذاتا أخرى من غير أن يزول عن الذات الأولى شىء من خصائصها، أو ينضاف إليها شىء آخر.
والاتحاد بهذا المعنى مستحيل الوقوع عقلا ووجودا ، لأن هاتين الذاتين إن
بقيتا بعد الاتحاد كما هما متميزتين فلا معنى للاتحاد بينهما ، وإن عُدمت
إحداهما وبقيت الأخرى فلا اتحاد بينهما. وإن عُدمت الذاتان وصار الأمر إلى
ذات ثالثة فلم يحدث اتحاد أصلا، وهذا هو دليل العقل على بطلان الاتحاد
بالمعنى الحقيقى بين أى شيئين أو ذاتين ، ومن هنا قيل: "الاثنان لا يتحدان
".
وللاتحاد معنى آخر مجازى وهو الصيرورة أو التغير، بمعنى أن شيئا ما ينتقل
إلى شئ آخر بعد أن تزول عنه صورته النوعية، وتحصل له صورة أخرى مغايرة،
مثل صيرورة الماء هواء بعد زوال حقيقة الماء وتبدلها إلى حقيقة جديدة، هى
حقيقة الهواء، ومثل صيرورة التراب والماء عن طريق التركيب طينا، وهذا
المعنى المجازى للاتحاد جائز وواقع ، لكن لا يسمى اتحادا حقيقيا.
وفى الصوفية تستخدم بمعان عدة، تدور حول الاتحاد بمعنى: استناد الموجودات
بأسرها إلى الوجود الإلهى، والنظر إليها على أنها معدومات لا وجود لها
بالحقيقة. أو بمعنى مرتبة القرب التى تضمحل فيها ذات السالك ، وتفنى
إرادته فى إرادة الله تعالى، وصفاته فى صفاته ، وتغيب عن كل ما سواه ،بحيث
لا يرى فى الوجود إلا الله تعالى، على ما يشيرإليه حديث: (كنت سمعه الذى
يسمع به وبصره الذى يبصربه) أو حالة العبد عند تلاشى هويته فى مقام
الكثرة، وتحققه بمظهر الأحدية. ويحرص جمهور علماء التصوف على التنبيه على
أن مصطلح "اتحاد" فى علومهم إنما هو "حال" أو درجة من "الشهود" يتحد فيها
مراد المحب بمراد المحبوب ، وتفنى إرادة المحب فى مراد المحبوب ، وأن
الجامع لذلك تحقيق شهادة "ألا إله إلا الله" علما ومعرفة وعملا وجلالا
وقصدا.
وأن الاتحاد لا يتضمن من قريب أو بعيد أن للعبد وجودا خاصا يتحد بالوجود
الإلهى، فإن ذلك محال بالضرورة عندهم وعند غيرهم. ينبه على ذلك الشيخ
الأكبر "ابن عربى" فيقول "واحذرمن الاتحاد، فإن الاتحاد لا يصح...فإن
الذاتين لا تكون واحدة، وانما هما واحدان "ويطلق الاتحاد عند الفلاسفة على
معان عدة كالمجانسة والمماثلة والمش
ة والمشابهة والمساواة والمطابقة
والاضافة. ولكل معنى منها حدُّ معين ومفهوم خاص.