السلفيَّةُ هي "الوسطُ الشرعيُّ"
المضادُّ للتطرُّف
أعجبُ -جدًّا- عندما أسمعُ
هَمْهَماتٍ -هُنا وهُناك- تُردِّدُ قولاً بعيداً عن الصواب، غريباً مِن الحقِّ،
مُغايِراً للواقع؛ يزعُمُ مُدَّعِيه -أو مُدَّعُوه-: أنَّ السلفيَّةَ تُغَذِّي
التطرُّفَ! أو: أنَّ السلفيَّةَ ليس فيها إلا التطرُّف!! أو: أنَّ السلفيَّةَ
والتطرُّفَ شيءٌ واحدٌ!!! أو أنَّ السلفيِّين -كلَّهم-
مُتَطَرِّفون!!!
وكُلُّ هذا -على اختلافِ
عباراتِهِ وإطلاقاتِهِ!- خِلافُ (التأصيلِ العلميِّ) -مِن جهةٍ-، وخلافُ (الواقعِ
العَمَلِيِّ) -مِن جهةٍ أُخرَى-.
وأوَّلُ ما ينبغي أنْ
يَعْرِفَهُ (هؤلاء) -قبل بحثِ ردِّ هذا الادِّعاءِ المُستنكَر-: أنَّ السلفيَّةَ
-بوصفِها دعوةً علميَّةً تربويَّةً منهجيَّةً إصلاحيَّةً- هي دعوةُ الإسلامِ الحقّ،
البعيدةُ بنهجِها عن التحزُّب، النائيةُ بنفسِها عن التفرُّقِ والتشتُّت، القائمةُ
-في دعوتِها وحقيقتِها- على رَبْطِ الأُمَّةِ -جميعاً- بثلاثيَّةِ الإيمان والأمنِ
والأمان، ضمن أُصولِ الكتابِ والسُّنَّةِ وما عليه سَلَف الأُمَّة -رحمةً لها،
ورَأفَةً بها-، وبالّتي هي أحسن؛ للّتي هي أقوم...
وقَبْلَ الردّ على تِلْكُمُ
الدَّعْوَى الباطلةِ -ودَفْعاً لاختلاطِ المفاهيمِ- أُقَرِّرُ: أنَّ المسائلَ
الفقهيَّة، أو العقائديَّةَ التي يَدُورُ الخلافُ فيها بين السلفيَّةِ ومُخالِفِيها
-بل بين عُمومِ المُسلمين -بعضهم بعضاً- لا يجوزُ أن تُسحبَ -أو تُوَظَّفَ- بأيِّ
شِكْلٍ مِن الأشكالِ- ولا بأيِّ حالٍ مِن الأحوال- للادِّعاءِ على جهةٍ ما
بالتطرُّفِ، أو رَمْيِها بالإرهاب؛ إذْ هي مسائلُ علميَّةٌ مَحْضَةٌ خالِصَةٌ-؛
كمثل مسائل إثباتِ أسماءِ الله الحُسنَى وصفاتِهِ العُلَى، على الوجه اللائق بجلالِ
الله -تعالى-، وقضايا الاستغاثةِ والتوسُّلِ بغيرِ الله -سبحانه-، مُضادَّةً
لألوهيَّتِهِ ووحدانيَّتِهِ -عزَّ وجلَّ-، والغُلُوِّ في جَنابِ سيِّدِنا
المُصطَفَى رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-؛ فهذه مسائل كانت -وما تزالُ-
موضعَ أخْذٍ ورَدٍّ بين عامَّة عُلماءِ أهل القِبلةِ -على اختلافِ فِرَقِها
ومذاهبِها-، وبألفاظٍ دقيقة، وأحكامٍ وثيقة...
ثُمَّ أقولُ: أمّا أنَّ ذاك
الزَّعْمَ الباطلَ -كما قَدَّمْتُ-: (خِلافُ التأصيلِ العلميِّ)؛ فإنِّي لا أعلمُ
-في الزَّمانِ الغابِرِ، فضلاً عن العصرِ الحاضِرِ- تصانيفَ ومُؤلَّفاتٍ-
مُستقلَّةً أو مضمَّنةً- عالجتْ أحكام التكفير، وضَبْطت مسائله، والتحذير مِن
وُلُوجِهِ والغُلُوِّ فيه، والمُعالجة لآثارِه: أكثرَ مِن مؤلَّفاتِ السلفيِّين،
وتصانيفِ عُلمائِهم العاملِين، ومقالات دُعاتِهِم الصادقين...
وهذا المعنَى لا يحتاجُ
التحقُّقُ منه إلى كبيرِ جُهْدٍ في سَرْدِ أَسماءِ تِلْكُمُ التآليف، ومعرفةِ هاتيك
الكُتُب!
أمَّا أنَّ ذاك الزَّعْمَ
-نفسَه- (خِلافُ الواقعِ العَمَلِيِّ)؛ فليسَ ثَمَّةَ جِهةٌ مِن الجهاتِ
المُنتسِبَةِ إلى الإسلامِ -اليومَ- أفراداً وجماعاتٍ- تصدَّتْ لأفاعيلِ دُعاةِ
التكفيرِ، ورُعاةِ التفجيرِ -وصنائعِهِم الباطلةِ-: أكثرَ مِن عُلماء الدعوةِ
السلفيَّةِ، ومراكزِهم العِلميَّةِ؛ في خُطَبِهِم، وبياناتِهِم، ودُروسِهِم،
وفتاوِيهم، ومُؤلَّفاتِهِم، ومواقعِهِم.
فكيف -والحالةُ هذه- يستقيمُ
ذلك الزعمُ الباطلُ العاطلُ؛ الذي ليس عليه دليلٌ -أوَّلاً-، والمخالِفُ للأدلَّةِ
-ثانياً- مِن أنَّ السلفيَّةَ -كُلَّها- تطرُّف، ومتطرِّفُون؟!
وللأمانةِ والإنصافِ أقولُ: كما
أنَّهُ لا يخلُو (عُمومُ) المُسلمِين مِن مُتطرِّفِين وغُلاةٍ خالَفُوا دينَهُم،
وكتابَ ربِّهم، وسُنَّةَ نبيِّهم -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-؛ فإنَّ (السلفيَّةَ)
-وهي جُزءٌ مِن هذا الإسلامِ الحقِّ العظيمِ- (قد) لا يخلُو (بعضُ) المُنتسِبين
إليها -أو المُتَسَتِّرين بها (!) -مِن شيءٍ مِن هذا التطرُّفِ المذموم، والفِكْرِ
المحموم؛ الذي ما انْفَكَّ عُلماءُ السلفيَّةِ عنهُ يُحاذِرُونَ، ومنهُ
يُحَذِّرُونَ؛ فكان ماذا؟!
ومِن أعجبِ العَجَبِ -واللـهِ-
ما يَلقاهُ دُعاةُ السلفيَّةِ وعُلماؤُهم -بالمُقابِلِ!- مِن مُناوِئِيهِم عامَّة،
وخُصومِهِم المتطرِّفِين حقًّا- خاصَّةً- مِن رَمْيِهِم بالعمالةِ لبعضِ الجهات!
والتملُّق للحُكومات! ونَبْزِهِم بأذنابِ السُّلُطات!!
... إلى غيرِ ذلك مِن تُهَم
وطُعونٍ جائرة وغير جائزة -أكثرُها كذبٌ وافتراءات-؛ لمْ يَخَفْ أصحابُها -فيهم-
ربَّهُم -تعالى-؛ إذ لمْ يُفَرِّقُوا -وللأسفِ الشديد- بين المواقف السلفيَّة
الشرعيَّة التي قد لا يوافقونَها أو لا تُوافقهم -اجتهاداً علميًّا فقهيًّا
صِرْفاً!-، والمواقف المخالفةِ للشَّرْعِ -أصلاً-، والمبنيَّة على التزلُّف
والهَوَى؛ رغبةً بأغراضٍ دنيويَّة، أو طمعاً بفوائدَ ماديَّة -فَرْعاً-...
وأخيراً؛ ستظلُّ الدعوةُ
السلفيَّةُ الحَقَّةُ النقيَّةُ -بعلمائِها العامِلين، ومنهجِها (الوسطِ) العَدْل
الأمين- الحِصْنَ الحَصِين ضدَّ التطرُّف والمتطرِّفِين؛ إرضاءً لربِّ العالَمِين،
وصيانةً لِـحِمَى هذا الدِّين، وحِفظاً لبَيْضَةِ عُمومِ المُسلِمين
المُوَحِّدِين...
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
{فأيُّ
الفريقَيْنِ أحقُّ بالأمْنِ إنْ كُنتُم تَعْلَمُونَ}.
كتبه الشيخ العلامة علي بن حسن
الحلبي حفظه الله