نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تحقيقاً عن تزايد عدد الأشخاص
الذين يعتنقون الإسلام فى البرازيل، وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر، التى دفعت الكثير من
غير المسلمين والذين لم يصدقوا ما نشرته الصحف الغربية عن الإسلام، إلى الرغبة فى
التعرف بصورة أفضل على هذه الشعوب التى تمكنت من زعزعة الإمبراطورية الأمريكية.
يقول باولو دا روشا بينتو،
أستاذ بجامعة فلوميننسى، أن من الصعب تحديد عدد المسلمين فى البرازيل بالضبط، إلا
أنه يقارب المليون مسلماً، وأكبر مؤشر على ازدياد انتشار الإسلام فى البرازيل، من
وجهة نظره، هو تزايد عدد أماكن العبادة، فعلى الرغم من وصول موجات من المسلمين فى
وقت مبكر من القرن العشرين، سواء سوريين أو لبنانيين أو فلسطينيين، إلا أن أول مسجد
لم يفتتح إلا فى عام 1960، ولم يبدأ بالفعل بناء أماكن العبادة إلا فى الثمانينيات،
ليتسارع إيقاع البناء فى بداية الألفية الثالثة.
وتفسر روزانجيلا، وهى سيدة
برازيلية اعتنقت الإسلام فى بداية التسعينيات وتعمل فى مركز نشر الإسلام لأمريكا
اللاتينية، انتشار الإسلام فى البرازيل إلى هجمات 11 سبتمبر، حيث دفعت هذه الأحداث
البعض إلى الرغبة فى معرفة المزيد عن هذا الشعب القادر على زعزعة الإمبراطورية
الأمريكية، كما أن البعض الآخر تشككوا فيما تنشره الصحافة عن الإسلام، ولذلك، كما
تروى روزانجيلا، "عندما أتى هؤلاء الأشخاص إلى المركز، رأوا أن الإسلام لا علاقة له
بالكراهية، وبدأ البعض منهم تدريجياً فى اعتناق الإسلام".
تضيف الصحيفة أن حركة اعتناق
الإسلام كانت دائماً موجودة فى البرازيل، على الرغم من أن نسبة الدعوة إلى الإسلام
كانت منخفضة للغاية، ولكنها كانت بصفة عامة ترتبط بزواج برازيلية من شخص مسلم. بيد
أن أحداث 11 سبتمبر، كما يؤكد باولو دا روشا، قد زادت من توضيح الرؤية الحقيقية
للمسلمين بصورة أفضل، وأزكت الفضول فى التعرف عليهم أكثر، ويضيف أن الفصول الدراسية
الجامعية حول العالم العربى والإسلام، والتى كانت نسبة الحضور فيها ضعيفة للغاية،
باتت تزدحم الآن بالرواد.
وتشير الصحيفة إلى وجود عامل
آخر ساهم فى إقبال عدد كبير من البرازيليين على اعتناق الإسلام وهو المسلسل
التليفزيونى Le Clone، فبعد ثلاثة أسابيع من هجمات 2001 على مركز التجارة العالمى،
أطلقت قناة "جلوبو" هذا المسلسل الذى تدور أحداثه فى المغرب ويقوم بتصوير العالم
العربى والإسلامى، وقد كان هذا الأمر من قبيل المصادفة، حيث كانت القناة تخطط لعرضه
من قبلها بشهور.
وقد لاقى هذا المسلسل نجاحاً
كبيراً، حتى أن عبارة "إن شاء الله" باتت تستخدم بطريقة شائعة فى شوارع ريو دى
جانيرو وساو باولو.. وأصبحت الكثير من النساء البرازيليات يخططن للتخلى عن دينهم من
أجل الزواج من "سعيد"، البطل المسلم فى المسلسل، وهو شخصية رومانسية ينال احترام
زوجته.
ويرى الشيخ جهاد، إمام أحد
المساجد، أن هذا المسلسل قد ساهم أكبر مساهمة فى قبول الكثيرين للإسلام، وذلك على
الرغم من أن بعض المسلمين كانوا يتوجهون إليه احتجاجا على الأسلوب الكاريكاتورى
الذى يقدمه المسلسل، ولكنه كان يجيبهم بأنه مسرور "فقبل ذلك، كانت الصورة المأخوذة
عنا أننا كائنات من كوكب آخر أو إرهابيين.. أما الآن يُنظر إلينا كأناس يحبون
الاحتفالات. فأيهما تفضلون؟".
وتنقل الصحيفة شهادة أحد
الشباب البرازيليين الذى اعتنق الإسلام، وهو نجم أحد فرق موسيقى الراب الكبرى فى
ساو باولو، والذى يقول أن ربع أعضاء فرقته قد اعتنقوا الإسلام، فى حين أن الآخرين
قد اختاروا أن يقلدوا أسلوبهم فى الحياة "عدم شرب الكحول، عدم التدخين، احترام
المرأة ومساعدة مجتمعهم". ويرى هذا الشاب أن الإسلام قد أنقذ بذلك العشرات من
أصدقائه من الخمر والمخدرات والسجن.
ومن ناحية أخرى، يقول باولو
فرح، الذى يدير مركز الدراسات العربية، أن وصول رسالة المساواة العرقية والعدالة
الاجتماعية التى يحملها الإسلام إلى ضواحى البرازيل قد شهدت نجاحا كبيرا فى قلب هذه
المجتمعات الأكثر فقراً، لاسيما بين الشباب الذين يعانون من عنصرية ووحشية الشرطة.
كما تلقى الصحيفة الضوء على
موقف الحكومة البرازيلية التى ترفض معاملة المسلمين كشعب منفصل. والدليل على ذلك
أنه فى أعقاب أحداث سبتمبر، طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من حكومات باراجواى
والبرازيل النظر عن كثب إلى الطوائف الإسلامية، بحجة أنها قد تأوى مراكز للإرهاب.
وفى حين سارعت باراجواى
بحماس إلى تنفيذ ذلك والقبض على بعض التجار المسلمين فيها، بل وحتى تعذيب البعض
منهم، أجابت البرازيل أنها ستدافع عن جميع المواطنين البرازيليين بلا استثناء ضد أى
تدخلات أجنبية. إلا أن ذلك لا يعنى، كما تستدرك الصحيفة، أن ظاهرة "الإسلاموفوبيا"
غائبة تماماً فى البرازيل.. وهو ما تؤكده روزانجيلا التى تحمل دائما بحقيبتها حجابا
آخر، فى حالة تعرضها لاعتداء.