[You must be registered and logged in to see this image.]مثلما حدث لصديقي الكاتب المتألق، الخارج عن النص دائما، أسامة الشيخ
الذي تلقى على هاتفه رسالة نصية ينتشي صاحبها بفوز سلوفينيا على الجزائر
(..) وصلتني رسالة شبيهة، وإنما تتمنى فوز الجزائر على الولايات المتحدة
انتقاما للهنود الحمر (..) وإن كنت لا أعرف إن كان منتخب العام سام يضم
لاعبا اسمه جيرونيمو.. فهو خليط من ألوان شتى وأعراق متعددة.ما أعرفه من تاريخ مشترك بين الجزائر والولايات المتحدة أن العلاقات بينهما
ليست جديدة، وأن الجزائر تعد من أولى البلدان التي اعترفت باستقلال
الولايات المتحدة في عام 1776، وأكثر من هذا فإن مدينة كاملة تحمل اسم
"القادر" منحت هذا الاسم تكريما للأمير عبد القادر الجزائري. ولم يتوقف
التاريخ بين البلدين عند المعاهدات والاتفاقات التي تم التوقيع عليها في
فترة السيطرة التي فرضها الأسطول الجزائري على البحر المتوسط، وإنما كانت
هناك فترات تشابك عسكري كالمعركة التي شهدت استشهاد الرايس حميدو، أحد رياس
البحر العظام في نهاية القرن السابع عشر، قريبا من جبل طارق. ولم أستغرب
أن يستعيد كثير من الجزائريين هذه الواقعة، هذه الأيام في الإنترنت،
ليطالبوا بالثأر للرايس حميدو بعد قرنين ونصف (..)، وخاصة بعد أن التحق
بالنخبة الحارس "رايس وهاب مبولحي".الأمريكان يعرفون تماما أن مواجهتهم أي منتخب تكتسي بعدا سياسيا، وخاصة بعد
أحداث 11 سبتمبر التي زاد فيها أعداء أمريكا بعد تصريح جورج بوش الشهير
"من ليس معنا فهو ضدنا"، ولأن الصغار لا يتفوقون على أمريكا إلا في مجالات
محدودة منها الكرة، فإن فريق بوب برادلي كان يجد نفسه باستمرار في مواجهات
بإيقاع سياسي. ولن تخلو مباراة الجزائر وأمريكا من عملية إلباسها الرداء
السياسي بكل المقاسات، كما تم تغليف مباراة إنجلترا والأرجنتين غلافا
سياسيا لتزامنها مع أزمة جزر المالوين المتنازع عليها بين البلدين، وكانت
مباراة الولايات المتحدة وإيران في مونديال 1998 الأكثر متابعة في العالم،
لأن الذي بين البلدين يتجاوز ما صنع الحداد (..) ولم يكن الناس يتفرجون على
أحد عشر لاعبا في مواجهة أحد عشر آخرين بعيون رياضية، بل كانوا يستحضرون
صور الرهائن الأمريكان وتلك الأيام المريعة التي بلغ فيها الجذب السياسي
منتهاه. ولأن الإيرانيين لم يكونوا مهتمين بمباراتي ألمانيا ويوغسلافيا قدر
اهتمامهم باليانكيز؛ كانوا يبحثون عن فوز تاريخي يستعيدون معه كبرياء أمة
ذات حضارة عريقة، وتحقق الفوز، ليدخل اللاعبان حميد استيلي ومهدي مهدافيكيا
التاريخ من بوابة الجلد المنفوخ بهدفين في مرمى لا يحرسه المارينز.
وبالمناسبة، الجزائر هي التي كانت وراء حل أزمة الرهائن، وقد دفعت لأجل ذلك
موتا مأساويا لوزير خارجيتها، محمد الصديق بن يحيى الذي أسقطت طائرته على
الحدود العراقية-الإيرانية؛ ولا يزال الأمريكان إلى اليوم يُقرون بجميل
الجزائر في حل تلك الأزمة.ولأن مقال صديقي أسامة الشيخ، كلنا أمريكيون، يحمل دلالات فوق سياسية؛ فإن
رفاق زياني وهم ليسوا مسؤولين عن أحداث سبتمبر ولا غزو العراق ولا الحرب
على القاعدة في أفغانستان ولا حصار غزة ولا تطاحن القبائل الصومالية، ولا
حتى التسرب النفطي في خليج المكسيك، أو شتم أنيلكا لمدربه دومينيك؛ وجدوا
أنفسهم مطالبين بأداء دور فشلت فيه الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر
الإسلامي وعدم الانحياز. فالكتابات التي تتداولها المواقع الإلكترونية
والفيس بوك تطلب منهم القيام بعمل "قومي خارق" وتحقيق فوز معنوي لهذه الأمة
المغلوبة على أمرها، لأن ما يعجز المرء عن تحقيقه عسكريا أو سياسيا، قد
يأتي كأضعف الإيمان من خلال الجلد المنفوخ للحفاظ على معنويات الناس،
وإخراجهم من الإحباط الذي عشش في نفوس هذه الأمة من طنجة حتى جاكارتا.لا يمكن للسياسة أن تغيب عن الملاعب، فإذا أخرجتها من المرمى دخلت من
التماس تحت تصفيق الناس، وإذا سحبت البطاقة الحمراء لمن يوظفون الكرة بعيدا
عن القيم الأولمبية؛ وجدت نفسك متسللا، وقد تتهم بأشياء لا تعرفها. وأعتقد
أن المباراة التي ينتظرها الملايين شرقا وغربا، بين المحاربين واليانكيز،
سيتعامل معها اللاعبون بعيدا عن صواريخ كروز ودبابات الهامرز، وسيكون
التفوق لعبقرية الشباب العربي طبعا، لأنه كلما تفوق استعادت الأمة وعيها
بالحاضر وثقتها بالمستقبل، فعندما شاهد عنتر ورفاقه فيلم "معركة الجزائر"
ذاك لأنهم كانوا يستمدون من تضحيات أبناء شعبهم الطاقة الكامنة فيهم كأحفاد
معتزين بتاريخهم المضيء. وأما غزة والعراق ومتاعب الأمة المتواصلة
فيعيشونها كل يوم كمواطنين يقاسمون إخوانهم الألم ولا يملكون إلا منحهم
قليلا من الأمل المفقود في أقبية السياسة. وهم مدركون أن الفوز يعني توزيع
جرعة من أكسجين الفرح في شارع لم يعد يفرح حتى في الأعياد والمناسبات
الكبرى، وقد يكون عزاؤه أن يمنحه محاربو الصحراء لحظة فرح تحت عنوان عربي
لا يروق بعض الذين قرأت لهم مقالات زعموا فيها أن هزيمة الجزائر لا تعنيهم
قدر الاستمتاع بمتعة الكرة البرازيلية أو الأرجنتينية، وهو حق يراد به باطل
إذا تعلق الأمر بمنتخبات محايدة، أما وأن يكون بلدي مشاركا، أو أن يكون
بلد عربي يدافع عن حظوظ أمة بأكملها في أكبر محفل عالمي، فلا يعنيني ريبيري
ولا تيفيز ولا توريس ولا روني، كلهم نجوم لا جدال فيهم، لكن نجمي هو من
يحمل ألواني ويسعى لمكان تحت الشمس في عالم لا يؤمن إلا بمن يمتلك الذكاء
والإبداع، ولا أعتقد أن ذلك ينقصنا، أو يدعونا إلى أن نستورد متعة الكرة مع
كاكا وميسي، مثلما نستورد مشروب كوكا وبيبسي.
Home 
